خلال السنوات الماضية دخلت وزارة الداخلية في منافسة مع الشركات الخاصة في تقديم خدمات الأمن والحراسة بمقابل نقدي، لدرجة أن العديد من الهيئات الحكومية والوزارات والمؤسسات المالية كانت تسدد تكلفة تأمين منشآتها مرتين، الأولى للوزارة والثانية لشركات الأمن الخاصة.
ونشطت وزارة الداخلية في استقطاب عملاء جدد وتسويق خدماتها التأمينية على غرار ما تقوم به الشركات الخاصة التي تسعى للحصول على مزيد من الزبائن وبالتالي جني إيرادات أكثر وأرباح أكبر.
ولم تقف تعاقدات الداخلية على حماية المنشآت المالية أو الحساسة فقط بمقابل مادي، بل امتدت لمؤسسات أخرى هي مسؤولة عن حمايتها طبقًا للقانون والدستور، مثل المطارات والموانئ والفنادق ومصلحة الضرائب وجهاز تنظيم الاتصالات، وهيئة قناة السويس والمحطات النووية لتوليد الكهرباء والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي وهيئة تنمية الطاقة الجديدة والمتجددة والهيئة العامة للبترول والمطابع الأميرية وهيئة المشروعات الصناعية والتعدينية، وهيئة تنظيم الاستثمار الصناعي، والهيئة العامة للتنمية الصناعية.
الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار محمد قشطة، النائب الأول لرئيس المجلس، أصدرت الأحد، فتوى بعدم أحقية وزارة الداخلية في تحصيل أجر عن حراسة مقار مصلحة الضرائب.
وقالت الفتوى “متى كان ما تؤديه الوزارة من خدمات الحراسة على الخزائن الإيرادية لمأموريات الضرائب التابعة للمصلحة أثناء الإيداع والصرف بالبنوك لا يخرج عن اختصاصها العام المقرر بنص الدستور والقانون بحفظ الأمن وحمايته والمحافظة على المال العام، خاصة أموال الضرائب بوصفها من أهم إيرادات الموازنة العامة للدولة، فلا يمكن بحال اعتبار هذه الخدمات نوعًا من أنواع الخدمات الخاصة، التي يجوز تأدية أي مبالغ من المصلحة مقابلها”.
وأوضحت “أما إذا أدت خدمة خاصة لإحدى الهيئات تفوق الخدمة التي تحصل عليها غيرها من الهيئات، وتتميز عنها بتكاليف تزيد عن تلك المقررة لهذه الهيئات في الظروف المماثلة، فإنه يحق لوزارة الداخلية أن تتقاضى مقابل ما تتكلفه هذه الخدمة من نفقات، خصوصا إذا كانت هذه الهيئة أو الجهة مستقلة بميزانيتها عن الميزانية العامة للدولة”.
ووصف العميد محمود قطري، الخبير الأمني، فتوى مجلس الدولة بعدم دستورية تقاضي الداخلية أموالًا مقابل تقديمها لخدمة الأمن، بالمتأخرة جدا، قائلًا “أخيرًا نطق القضاء وتحرك أبوالهول”.
وقال قطري، إن “المفروض والمعروف في كل دول العالم أن الأمن لا يباع ولا يشترى، وأن كل مواطن وجهة يحصل على الأمن العام مجانًا، وعلى الدولة تحمل تكاليف التأمين”.
وأضاف قطري، لشبكة “رصد” الإخبارية، أن الأمن العام يصرف عليه من ميزانية الدولة العامة، وللأسف هذا النظام ساعد وساهم في إفساد الشرطة، للدرجة التي أصبح في عهده المنصب الشرطي وسيلة وطريقة للثراء الفاحش.
وأشار إلى أن بعض المؤسسات التي تحميها الداخلية، مثل البنوك، تدفع فاتورة باهظة التكاليف والأجر، مقابل تأمينها، في الوقت الذي توزع فيه هذه الأموال على القيادات والمحظوظين والمقربين من الضباط.
وأكد قطري، أن التأمين مقابل الأجر يعد أحد عناصر الفساد داخل الوزارة، والفتوى جيدة وخطوة لبداية الإصلاح.
وضرب الخبير الأمني، مثلًا بتأمين ما يزيد عن 20 فردًا لبنك ما، في الوقت الذي يوجد بجوار ذلك البنك سوبر ماركت أو صيدلية لا تحظى بحراسة، لدرجة أن لو تمت سرقتها لن يتحرك فرد أمن الداخلية لأنه ليس مطالبًا بحماية المنشآت العامة التي لا تموله.
وتوقع قطري، أن “تتلكأ الداخلية في تنفيذ فتوى مجلس الدولة، خاصة وأنها فتوى غير ملزمة لها”، مطالبًا بإصدار قرار من رئاسة الجمهورية بتنفيذ القرار.
وأشار إلى أنه “لو تم تطبيق مثل هذا القرار سيحدث فوضى كبيرة وغير مسبوقة في دخول أفراد الشرطة، وسينتهي عصر السبوبة داخل الجهاز”، لافتًا إلى أن “بين ضباط الداخلية من يحصل على راتب 80 ألف جنيه فأكثر، وأخر راتبه لا يزيد عن 4 آلاف جنيه، نظرًا لأن أحدهما يعمل مثلًا في وزارة الكهرباء أو مديريات الأمن أو تأمين البنوك، في حين الآخر يعمل في مكان لا مقابل ولا أجر مدفوع فيه”.