في عام 1962 اشتعلت الأزمة المصرية السعودية بسبب حرب اليمن، حين أرسل الرئيس السابق جمال عبد الناصر قوات الجيش، لدعم الثورة اليمنية بعد تولي الإمام البدر الحكم.
وأرسلت مصر في البداية كتيبة واحدة وتزايدت الأعداد بالتدريج، ففي عام 1962 بلغت قواتنا في اليمن 50 ألفا، وصولا إلى عام 1970 حيث وصل عدد الجنود المصريين إلى 120 ألفا، حين غادر اليمن آخر جندي مصري رسميا.
وأيدت السعودية الإمام البدر خوفا من انتقال الثورة لليمن، وأنفقت مصر أموالا طائلة على هذه الحرب وسالت دماء آلاف الجنود، فكانت حرب اليمن من أسباب هزيمة مصر في يونيو 1967.
إلا أنه في أواخر حياة عبد الناصر في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز انتهت الأزمة بالصلح في مؤتمر الخرطوم، عندما ساهمت السعودية في نقل الجيش المصري من اليمن.
ومؤخرا عندما دشنت السعودية تحالف عربيا لضرب الحوثيين في اليمن لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحول فيه اليمن إلى أرض معركة عن طريق جيرانها، بحسب الإشارة السابقة.
ونجمت عن مغامرة عبد الناصر في اليمن حرب أهلية مكلفة وطويلة، أدت في النهاية بانسحاب القوات المصرية ولكنها خلفت آلاف الشهداء من قوات الجيش المصري وغيرهم من المصابين.
التاريخ يعيد نفسه
تغيرت الأدوار في الخمسة عقود الماضية، لكن بالعودة إلى الستينيات كان عبد الناصر العدو اللدود للمملكة العربية السعودية، والتي رأت أنه يرغب في ركوب موجات العرب الثورية ونشر تأثير حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952، حين أطاحوا بالملك فاروق، إلى بقايا الممالك المتداعية للسقوط في الشرق الأوسط.
واليوم عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، والذي كثيرا ما يشبه نفسه بعبد الناصر، هو الحليف الأول للسعوديين، وخصمهم الرئيسي “شيعة إيران”، حيث تقوم الدولة الشيعية بحبك المناورات والمؤامرات في وسط حالة من الانهيار للربيع العربي من خلال مساعيها لبناء “محور شيعي” يمتد من بغداد إلى صنعاء.
السعودية تتشكك في نيات السيسي
ومنذ تولي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الحكم بعد وفاة الملك عبد الله، نشب صراع مكتوم بين القيادة السعودية الجديدة والسيسي، فبعد أن كانت المملكة أبرز محطات تمويل انقلابه قبل تولي سلمان الحكم، خاصة في ظل إعلان السيسي الدخول في التحالف العربي مع إعلان السعودية الحرب والقيام بأول ضربة للحوثيين، يتداول مراقبون معلومات تفيد بحدوث تغير في سياسات المملكة تجاه السيسي.
وتأتي كتابات الصحفي السعودي جمال خاشقجي، المقرب من دوائر صنع القرار السعودي، لتكشف مدى التوتر الذي باتت عليه الأوضاع بين السيسي وسلمان، هذا بخلاف الانتقادات التي يروجها إعلاميون مقربون من السيسي والأجهزة التابعة له، للملك سلمان صراحة، أبرزهم إبراهيم عيسى ويوسف الحسيني.
التدخل البري يزيد الأمر سوءا
الباحثة الأمريكية ميشيل دن، حذرت مصر من التدخل البري في اليمن، قائلة: “إن كلمتي “التدخل البري” و”اليمن” لا يمكن أن تستوعبهما جملة واحدة”، معتبرة أن إضافة “مصر” للجملة يزيد الأمر سوءا.
وكان الباحث جيس فيريس طالب السيسي في مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية بالتعلم من التاريخ وعدم الدخول في مستنقع حرب اليمن، كي لا يقع في نفس الشرك الذي هوى فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وقال فيريس تحت عنوان “اليمن فيتنام مصر”: “خلال حرب استمرت خمس سنوات (1962-1967)، فقد ناصر أكثر من 10000 رجل، وبدد مليارات الدولارات، وأدخل نفسه في مأزق دبلوماسي كان المخرج الوحيد منه الحرب مع إسرائيل”.
وأضاف: “كما أدرك ناصر بنفسه في نهاية الحرب، كان اليمن بالنسبة لمصر مثل فيتنام بالنسبة للولايات المتحدة، وأفغانستان بالنسبة للاتحاد السوفييتي، والجزائر بالنسبة لفرنسا، ولبنان بالنسبة لإسرائيل”.
وتابع: “وليس من قبيل المفاجأة، أن الحقيقة المستخلصة آنذاك بالنسبة للمصريين تمثلت في عبارات “لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدا.. لن نحارب أبدا في أرض بعيدة من أجل قضية مشكوك فيها.. لن نهدر أبدا جيشنا الحديث لبناء دولة تفتقد وجودها، لن نطأ أقدامنا مجددا في اليمن”.