د. السيد أبو الخير – أستاذ القانون الدولي
عادة ما تلجأ نظم الحكم غير الشرعية فى الدول التى تبتلى بها عن طريق إنقلابات عسكرية ضد إرادة الشعوب، أن تتسول شرعية زائفة من المجتمع الدولى عن طريق إبرام الاتفاقيات التى التى تفرط بموجبها فى حقوق شعوبها عن طريق تقديم التنازلات والتفريط فى ثروات وموارد تلك الدول والشعوب مخالفة بذلك مبدأى حق تقرير المصير السياسى وحق تقرير المصير الاقتصادى ومضمونهما أحقية الشعوب فى اختيار حكامها زنظمها السياسية بحرية تامة وحريتها فى الاستفادة وحقها فى التصرف المشروع فى مواردها الاقتصادية وهذا ما يفعله نظام الإنقلاب فى مصر حيث أقدم على تقديم تنازلات خطيرة تهدد مصر كدولة وتهدد شعبه بالموت عطشا كل ذلك مقابل شرعية زائفة من النظام الدولى وتلك شرعية زائفة لأنها صدرت ممن لا يملكها أذن أعترف من لا يملك بمن لا يستحق.
** بداية هذه الاتفاقية منعدمة قانونا لمخالفتها المبادئ العامة والقواعد الآمرة فى القانون الدولى وخاصة قانون الأنهار الدولية وأيضا لأن من إبرامها عن مصر مغتصب السلطة وجاء بغير الطريق القانونى الذى رسمه القانون بل بالعكس جاء عن طريق السطو المسلح على السلطة فى مصر عبر إنقلاب عسكرى لم يتعرف به إلا القليل من الدول وكافة أفعال مغتصب السلطة منعدمة قانونا أى أنها أفعال مادية لا يرتب عليها القانون أى آثار قانونية وتقف عند حدها لذلك لا تنفذ فى حق مصر علما بأن الدول الراعية للانقلاب العسكرى الذى تم فى مصر تعرف ذلك جيدا لذلك فهى تسرع وتكثر من الاتفاقيات التى تكبل مصر كدولة وتعيق ليس مسيرتها بل تهدد وجودها كدولة موحدة فى النظام الدولى وأهم هذه الاتفاقيات اتفاقية سد النهضة التى أبرمت بين السودان ومصر وأثيوبيا.
لذلك فتلك الاتفاقية منعدمة قانونا لما سبق ولأن إنشاء سد النهضة مخالف لقانون الأنهار الدولية وهذا ما سوف نوضحه فى هذا المقال.
سد النهضة المزمع إقامته فى أثيوبيا يمثل خطرا كبيرا على مصر حيث يؤدى لإنخفاض حصة مصر من المياه لأكثر من 20% أى حوالى 12 مليار متر مكعب من المياة وأكثر فضلا عن تخفيض الكهرباء الناتجة عن السد العالى بنسبة لا تقل عن 20% حيث وتشكل المياة الواردة لمصر من أثيوبيا أكثر من 80% من حصة مصر البالغة 55 مليار متر مكعب من المياه لذلك فإن أتخاذ أى إجراء من أثيوبيا فى نهر النيل يؤثر على حصة مصر من المياه ومن الكهرباء لذلك يجب التحسب لذلك جيدا لأن هذا الأمر يمس الأمن القومى المصرى بل يصل الأمر لتهديد وجود وأستمرار مصر كدولة.
مياة الأمطار التى تسقط على منابع النيل تبلغ حوالى 1600مليار متر مكعب يتم الأستفادة فقط من 80 مليار متر مكعب أى 5% فقط منها فالفاقد والمهدر كبير للغاية وتطل على نهر النيل عشر دول إفريقية تمثل مصر أكبرها مساحة وأكثرها سكانا حيث يزيد عدد سكانها عن أكثر من نصف عدد الدول التى تطل على النهر مما يجعل لها وزنا وثقلا كبيرا ترفضه الدول التى تحركها الأصابع الصهيونية والأمريكية وخاصة أثيوبيا التى تتزعم التمرد على الاتفاقيات الدولية التى عقدت بشأن نهر النيل وهى أكثر من ( 16) اتفاقية بداية من البروتوكول عام 1891م بين بريطانيا وإيطاليا بشأن تحديد نفوذ كل منهما فى شرق أفريقيا وحتى اتفاقية عام 1959م بين مصر والسودان.
وتعترض أثيوبيا على اتفاقيتى عام 1929م واتفاقية 1959م تحت زعم أن الاتفاقية الأولى لعام 1929م تمت أثناء الأحتلال وتعتبر اتفاقية إذعان لا تلتزم بها الحكومات الأثيوبية بعد الأستقلال كما أن اتفاقية عام 1959م كانت بين مصر والسودان ولم تكن أثيوبيا طرفا فيها لذلك فهى لا تلتزم بها لذلك عمدت أثيوبيا على تجميع دول منابع النيل دون مصر والسودان وأبرمت فيما بينهم اتفاقية عنتيبى فى مايو 2010م وسوف نعرض هذه الاعتراضات والأسس التى تعتمد عليها أثيوبيا فى إنشاء سد النهضة على القانون الدولى عامة وقانون الأنهار الدولية خاصة فى البنود التالية.
أولا: الرد على أعتراضات أثيوبيا على اتفاقيتى 1929م وعام 1959م:
= اتفاقية عام 1929م بين مصر وبريطانيا نيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا وتنزانيا ووأوغندا وتنص على تحريم إقامة أى مشروع من أى نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التى تغذيها كلها إلا بموافقة مصر إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر على كمية المياه التى كانت تحصل عليها مصر أو على تواريخ وصول تلك المياه إليها، ونص أيضاً على حق مصر فى مراقبة مجرى نهر النيل من المنبع إلى المصب، وتوفير كل التسهيلات اللازمة للحكومة المصرية للقيام بدراسة ورصد الأبحاث المائية لنهر النيل فى السودان وهذا يعنى أعتراف بالحقوق التاريخية لمصر فى مياة النيل.
وترفض أثيوبيا الأعتراف بهذه الاتفاقية تحت زعم أنها أبرمت تحت الأحتلال فهى اتفاقية إذعان لا تلزمها بعد استقلالها وهذا الزعم باطل من الناحية القانونية لمخالفته المادتين الحادية عشر والثانية عشر من اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولى فى مجال المعاهدات لعام 1978م حيث قررت المادة الحادية عشر أنه لا تؤثر خلافة الدول فى حد ذاتها على( أ- الحدود المقررة بمعاهدة . ب-الالتزامــات والحقـوق المقررة بمعاهدة والمتعلقة بنظام الحدود.) ويؤكد ذلك الفقرة الثانية من المادة الثانية والستون من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م والتى نصت على أنه لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهرى فى الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها إذا كانت المعاهدة من المعاهدات المنشئة للحدود، وعلى هذا فإنه لا يجوز للدولة الجديدة الناشئة عن الاستقلال أن تحتج بأن واقعها الجديد يمثل تغييراً جوهرياً فى الظروف يبرر لها إنهاء العمل بالمعاهدات المتعلقة بالحدود أو المرتبطة بها والتى سـبق أن أبرمتها الدولة السلف، لذلك فالزعم الأثيوبى باطل ومخالف للقانون الدولى.
أما المادة الثانية عشر فقد جرى نصها على أنه(1- لا تؤثر خلافة الدول فى حد ذاتها على:
أ- الالتزامات المتصلة باستخدام أى إقليم، أو بقيود على استخدامه والمقررة بمعاهدة لصالح أى إقليم لدولة أجنبية والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيين.
ب-الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح أى إقليم والمتعلقة باستخدام أى إقليم لدولة أجنبية أو بقيود على استخدامه والمعتبرة لصيقة بالإقليمين المعنيين".2- ولا تؤثر خلافة دولة ما فى حد ذاتها على:
أ- الالتزامات المتصلة باستخدام أى إقليم أو بقيود على استخدامه والمقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول، والمعتبرة لصيقة بذلك الإقليم.
ب-الحقوق المقررة بمعاهدة لصالح مجموعة دول أو لصالح جميع الدول المتصلة باستخدام أى إقليم أو بقيود على استخدامه والمعتبرة لصيقة بذلك الإقليم.
جـ- أن نص هذه المادة لا يطبق على الالتزامات التعاهدية لدول سلف، تنص على إقامة قواعد عسكرية أجنبية فى الإقليم موضوع التوارث بين الدول وتتعلق نصوص هذه المادة بالارتفاقات الدولية، أى الالتزامات الإقليمية التى تجد أساسها فى العرف أو الاتفاق وتتحملها دولة الإقليم لصالح دولة أو مجموعة من الدول الأخرى وقوامها السماح للأخيرة بالانتفاع بإقليم الدولة المحملة بالارتفاق أو جزء منه.
ومؤدى الأحكام التى أوردتها هذه المادة أن خلافة الدول فى حد ذاتها لا يكون لها تأثير على انتقال الالتزامات والحقوق المتصلة والمقررة باستخدام الإقليم وعليه لصالح دولة أو دول أخرى، ولا يستثنى من ذلك إلا الاتفاقات الخاصة بإقامة قواعد عسكرية أجنبية فى الإقليم، فهذه لا تلتزم بها الدولة الخلف.).
ترتيبا على ما سبق فأن اتفاقية عام 1929م من المعاهدات الخاصة بتحديد ورسم الحدود أو بالوضع الإقليمي والجغرافى التى لا ينال منها التوارث الدولى أو يمسها فى شيء، وتظل سارية المفعول وتمثل التزاماً وقيداً على عاتق الدولة الوارثة، كما لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا باتفاق الدول الموقعة عليها أو وفقاً للإجراءات المنصوص عليها فى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام1969م وقد أكدت محكمة العدل الدولية ذلك فى أحدث أحكامها بشأن الأنهار الدولية فى النزاع بين المجر وسلوفاكيا وفي النزاع بين أوروجواي والأرجنتين بشأن نهر أوروجواي عام 2010، وقالت المحكمة أن الاتفاقات المتعلقة بالأنهار الدولية، سواء فيما يتعلق بالملاحة فيها، أو استخدام مياهها فى غير أغراض الملاحة، من المعاهدات التى لا يجوز المساس بها نتيجة للتوارث الدولى، أى أنها من قبيل المعاهدات الدولية التى ترثها الدولة الخلف عن الدولة السلف، ولا يجوز لها التحلل منها لأى سبب من الأسباب، والمادة الثانية عشرة من اتفاقية فيينا لعام 1978 بشأن التوارث فى المعاهدات هى قاعدة من قواعد العرف الدولى الملزمة لكافة الدول والتى لا يجوز التحلل منها أو الخروج عليها.
واتفاقية عام 1929م تتناول بالتنظيم مسائل تتعلق بالتزامات ذات طبيعة إقليمية وجغرافية، لذلك فإنها لا تتأثر بانتقال السيادة على الإقليم المحمل بالالتزامات الإقليمية (أى الإقليم محل الارتفاقات الإقليمية) من الدول المستعمرة (السلف) إلى الدول الجديدة (الخلف) وأن آثارها تنتقل إلى الدولة الخلف بحكم الواقع والقانون، ولا يمكن تعديلها إلا باتفاق جديد تقره كافة الدول المعنية. كما أن لجنة القانون الدولى قد اعتبرت عند بحثها لمشروع اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولى فى مجال المعاهدات، أن المعاهدات المتعلقة بالأنهار الدولية هى من قبيل النظم الإقليمية وفقاً للمادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الاتفاقية سالفى الذكر، وأشارت على وجه الخصوص إلى اتفاقيات نهر النيل، واتفاقية الأزروم بين العراق وإيران حول نهرشط العرب الحدود بينهما فى منطقة شط العرب، والاتفاقية الموقعة بين فرنسا وسيام (تايلاند حالياً) حول الملاحة فى نهر الميكونج.
وقد تم التأكيد على حصص المياه التاريخية التي تحصل عليها الدول التي تطلعلى نهر مياه النيل بعد مرورها من الحبشة بالبروتوكول الموقع بين إيطاليا – صاحبة الولاية علي الحبشة آنذاك – وبريطانيا عام 1891م، التزمت إيطاليا بضمان وصول حصص المياه التاريخية، وأيضا فى اتفاقية 1902م، التي وقعها إمبراطور الحبشة منيليك الثاني، مع كل من بريطانيا وإيطاليا، حيث تعهد بمقتضاها بألا يصدر أية تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بأية أعمال علي النيل أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، يكون من شأنها اعتراض سريان مياهه إلي النيل إلى الدول المطلة على النهر وخاصة مصر.
وقد تمسكت إثيوبيا بالمادة الثانية عشرة من اتفاقية فيينا لعام 1978 م سابقة الذكر عندما طالبت الصومال تعديل بعض النظم العينية فى علاقتها بإثيوبيا وعلى الأخص فيما يتعلق بالحدود، وطالبت أثيوبيا تطبيق المادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من اتفاقية 1978م سالفى الذكر، وأكدت على ضرورة احترام الدولة الخلف للالتزامات العينية التى قررتها الدولة السلف، وهو ما يعنى أن إثيوبيا تؤيد احترام الاتفاقات العينية التى تضع التزامات بشأن الحدود. ومن ثم فإنه لا يجوز أن تنكرها فى حالة تمسك مصر بها تأكيداً على حقوقها التاريخية فى مياه النيل، وذلك يؤكد على شرعية اتفاقية عام 1929م سالفة الذكر وبطلان ومخالفة مزاعم أثيوبيا أو بقية الدول المطلة على نهر النيل للقانون الدولى، ويؤكد أحقية مصر فى حصتها التاريخية فى مياه نهر النيل.
= اتفاقية عام 1959م بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي، وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما: زعمت أثيوبيا أن هذه الاتفاقية لا تلزمها لأنها لم تكن طرفا فيها، وهدفت لتحقيق الفائدة المشتركة لكل منهما دون إضرار بالحقوق التاريخية لكل منهما، أو الإضرار بحقوق باقي الدول المطلة على نهر النيل وأكدت هذه الاتفاقية احترام الحقوق المكتسبة لطرفيها، هذه الاتفاقية كانت لتنظيم الاستفادة من حصة كل منهما فى ماء النيل بين الدوليتن دون التعرض لحصص باقى الدول المطلة، في الأول من يوليو 1993م وقع الرئيسان المصري والإثيوبي اتفاق القاهرة، الذي وضع إطارا عاما للتعاون بين الدولتين لتنمية موارد مياه النيل، وتعزيز المصالح المشتركة، ونص على تعهد الطرفين بالامتناع عن إجراء أي نشاط يلحق ضررا بمصالح الطرف الثانى فى الاستفادة بمياه النيل، مع التعهد بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة، والعمل سويا علي زيادة حجم التدفق، وتقليل الفاقد من مياه النيل في إطار خطط تنمية شاملة ومتكاملة. واتفقا الطرفان علي إنشاء آلية للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك منها مياه النيل، وتعهدا بالعمل علي التواصل وللتعاون بين دول حوض النيل لزيادة الاستفادة من مياه النهر.
ثانيا: سد النهضة فى قانون الأنهار الدولية: يقوم قانون الأنهار الدولية على عدة مبادئ وردت فى اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تنظيم أستخدام المجارى الدولية لغير أغراض الملاحة لعام 1997م، منها ما يخص موضوع سد النهضة منها مبدأ حسن الجوار ومبدأ الأنتفاع والمشاركة المنصفان والعادلان الوارد فى المادتين الخامسة والسادسة من الاتفاقية، وطبقا لهذا المبدأ يكون لكل دولة مطلة على نهر النيل حق أستخدامه استخداما منصفا ومعقولا مع عدم الأضرار بباقى الدول المطلة على النهر ويطلق عليه أيضا الأنتفاع البرئ أو النظيف ويعتبر إنشاء سد النهضة فى أثيوبيا مخالف لهذا المبدأ وذلك لإضراره بحصة كل من مصر والسودان من مياه نهر النيل، ويخالف أيضا إنشاء سد النهضة، مبدأ الالتزام بعدم التسبب فى ضرر جسيم للدول الأخرى المطلة على النهر الوارد فى المادة السابعة من الاتفاقية، وهذا السد سوف يضر بكل من مصر والسودان، كما يخالف مبدأ الألتزام بالتعاون بين دول المجرى المائى الدولى المادة الثامنة من الاتفاقية سالفة الذكر، حيث أنفردت إثيوبيا بتقرير إنشاء هذا السد دون التشاور والتباحث بين بقية الدول المطلة على النهر.
وقد ألزم قانون الأنهار الدولية الدولة المطلة على نهر دولى التى تريد أتخاذ أى إجراء يتعلق بالنهر بالإخطار المسبق لبقية الدول المطلة على النهر تبين فيه بوضوح تام ماهية الإجراء الذى تنوى اتخاذه ويجب أن يتضمن هذا الأخطار المسبق كافة البيانات والمعلومات عما تنوى عمله، مع ضرورة التشاور والتفاوض مع بقية الدول المطلة، بيان مدى تأثير هذا الإجراء على مياه النهر الدولى، وفى حالة التأكد من عدم إضرار هذا الإجراء بأحدى الدولة المطلة يجب على الدول المطلة الموافقة على إتخاذ هذا الإجراء، ولكن حال تبين وقوع ضرر من هذا الإجراء يجب على الدولة الأمتناع عن أتخاذ أى خطوات للقيام بهذا الإجراء.
وأما بشأن اتفاقية عنتيبى الموقعة فى مايو 2010م فلم توقع عليها مصر والسودان والكنغو الديمقراطية، ووقع عليها باقى الدول المطلة على نهر النيل، وتحفظت مصر على ثلاثة بنود طلبت إضافتها للاتفاقية الأول يتمثل فى الأعتراف بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل وعدم المساس بحصتها البالغة 55 مليار متر مكعب، والثانى ضرورة العمل بنظام الأخطار المسبق من كافة الدول العشر المطلة على نهر النيل حال تفكيرها فى أتخاذ أى إجراء بشأن نهر النيل وهذا ما تطلبه قانون الأنهار الدولية ومن حق الدولة المطلة ذلك، ويجب أن يتضمن هذا الأخطار المسبق كافة المعلومات عن الإجراء المزمع إتخاذه، الثالث طالبت مصر بالتصويت الموزون أو النسبى فى اتخاذ القرارات فيما يتخذ من قرارات بشأن نهر النيل وهذا النظام معمول به فى المنظمات الدولية ومنها صندوق النقد الدولى، ويعتمد حق مصر فى ذلك على نسبة اعتمادهاعلى النهر أكثر من أى دولة فضلا عن وزنها وثقلها السياسى فعدد سكانها يفوق أكثر من نصف الدول المطلة على نهر النيل لذلك يجب أن يكون لصوتها وزن وثقل ولا يتساوى من دول أخرى صغيرة حجم ووزنا.
ثالثا : كيفية معالجة الأزمة طبقا للقانون الدولى وقانون الأنهار الدولية: يلزم القانون الدولى وكافة المنظمات الدولية العالمية / الأمم المتحدة وكل المنظمات الإقليمية الدول على فض كافة المنازعات الدولية بالطرق السلمية حفاظا على السلم والأمن الدوليين، كما طالب ميثاق الأمم المتحدة فى الفصل السابع منه باللجوء إلى المنظمات الإقليمية لفض المنازعات الدولية، لذلك ينبغى بداية أستخدام كافة الوسائل السلمية المنصوص عليها فى القانون الدولى ومنها ما ورد فى الفقرة الأولى من المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة التى نصت على(يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق) وهناك أيضا طريقة المساعى الحميدة عن طريق طرف ثالث سواء دولة أو منظمة دولية أو شخصية دولية معروفة، ومن قبل يمكن ذلك عن طريق المفاوضات المباشرة مع أثيوبيا بالأشتراك مع كافة الدول المطلة على النهر.
أو عن طريق لجنة تحقيق وقد تم تشكيل لجنة تحقيق دولية هى اللجنة الفنية الثلاثية الدولية وتضم مصر والسودان وإثيوبيا لتقييم سد النهضة الإثيوبي، ولم تتعامل معها أثيوبيا بشكل جدى كما أنها لم تنتظر حتى تضع هذه اللجنة تقريرها بشأن السد بل بادرت باتخاذ خطوات عملية فى بناء سد النهضة بتحويل مجرى النيل الأزرق، مما يدل على أن أثيوبيا لن تلتزم بتقرير اللجنة التى لم تتعاون معها كما ينبغى، لذلك يمكن تصعيد الأمر إلى أكثر من ذلك حيث اللجوء إلى المنظمات الدولية وخاصة الإقليمية أولا، والأفضل هنا اللجوء للاتحاد الإفريقى خاصة وأن ما تسعى أثيوبيا القيام به من إنشاء سد النهضة يخالف ميثاق الأتحاد الإفريقى وخاصة المادة الثالثة التى نصت على اهداف الاتحاد والمادة الرابعة التى نصت على المبادئ العامة التى يتم تحقيق الأهداف بها.
وطبقا للمادة السادسة من ميثاق الاتحاد يمكن عرض الأمر على المؤتمر وهو الجهاز الأعلى للاتحاد، حيث يمكن طلب عقد دورة أستثنائية للمؤتمر طبقا للفقرة الثالثة من المادة السابقة بناء على طلب مصر وموافقة ثلثى الدول أعضاء الاتحاد، لمناقشة موضوع سد النهضة وأخطاره على أمن مصر المائى والقومى، أو عرض الأمر على المجلس التنفيذى فى دورة غير عادية طبقا للمادة التاسعة من ميثاق الأتحاد بناء على طلب مصر وموافقة ثلثى الدول الأعضاء، لمناقشة الأمر والوصول لموقف موحد وقرار ملزم، يلزم أثيوبيا بالأمتناع عن تنفيذ إى إجراء يهدد أمن مصر المائى، وهذا من اختصاص المجلس طبقا للفقرة ( د ) من المادة الثالثة عشر من الميثاق.
ويمكن عرض الأمر على المحكمة الإفريقية حيث تختص بمثل هذه الأمور طبقا للمادة الثالثة بفقرتيها الأولى والثانية من بروتوكول إنشاء المحكمة، أو طلب رأى أستشارى من المحكمة طبقا للمادة الرابعة من بروتوكول المحكمة، ويمكن للأشخاص المصريين أو منظمات المجتمع المدنى التقدم بشكوى ضد أثيوبيا طبقا للمادة السادسة من بروتوكول المحكمة، وطبقا للمادة (25) من هذا البروتوكول يكون الحكم الصادر عن هذه المحكمة نهائيا ولا يجوز الطعن عليه، كما نصت المادة (26) على أن تلتزم الدول الأطراف فى الاتحاد بتنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة.
ويمكن عرض الأمر على مجلس السلم والأمن الإفريقى التابع للاتحاد الإفريقي، طبقا للمادتين الثالثة والرابعة من بروتوكول إنشاء مجلس السلم والأمن الإفريفي حيث نصت المادة الثالثة على الأهداف العامة التى يرجى تحقيقها من إنشاء هذا والمجلس وهى: ( تكون الأهداف التي ينشأ من أجلها مجلس السلم والأمن هي:
أ- تعزيز السلام والأمن والاستقرار في افريقيا من أجل ضمان حماية وحفظ حياة وممتلكات ورفاهية الشعوب الافريقية وبيئتها وكذلك خلق الظروف المواتية لتحقيق التنمية المستدامة.
ب- ترقب ومنع النزاعات وفي حالات حدوث النزاعات تكون مسئولية مجلس السلم والأمن هي تولي مهام إحلال وبناء السلام بغية تسوية هذه النزاعات .
ج- تعزيز وتنفيذ الأنشطة المتعلقة ببناء السلام وإعادة التعمير في فترة ما بعد النزاعات وذلك لتعزيز السلام والحيلولة دون تجدد أعمال العنف.
د- تنسيق ومواءمة الجهود القارية الرامية إلي منع ومكافحة الإرهاب الدولي بكافة جوانبه.
هـ- وضع سياسة دفاع مشترك للاتحاد طبقاً للمادة(4/د)- من القانون التأسيسي.
و- تعزيز وتشجيع الممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية واحترام قدسية حياة الانسان والقانون الإنساني الدولي وذلك كجزء من الجهود الرامية إلي منع النزاعات . ).
وقد وضع البروتوكول عدة مبادئ لتحقيق الأهداف السابقة فى المادة الرابعة منه والتى نصت على ( يسترشد مجلس السلم والأمن بالمبادئ المنصوص عليها في القانون التأسيسي وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان ويسترشد بنوع خاص بالمبادئ التالية:
أ- التسوية السلمية للخلافات والنزاعات .
ب- الاستجابات المبكرة لاحتواء أوضاع الازمات للحيلولة دون تطورها الي نزاعات كاملة. ج- احترام سيادة القانون والحقوق والحريات الأساسية للانسان واحترام قدسيةحياة الانسان والقانون الانساني الدولي .
د – الترابط بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأمن الشعوب والدول.
هـ- احترام سيادة ووحدة أراضي الدول الأعضاء.
و- عدم التدخل من جانب أي دولة عضو في الشئون الداخلية لدولة أخري.
ز- المساواة المطلقة والترابط بين الدول الأعضاء .
ح- الحق الثابت في الوجود المستقل .
ط- احترام الحدود الموروثة عند نيل الاستقلال .
ي- حق الاتحاد في التدخل في أية دولة عضو في أعقاب مقرر صادر عن المؤتمر فيما يتعلق بظروف خطيرة مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ، وذلك طبقاً للمادة (4/ ح) من القانون التأسيسي
. ك- حق أية دولة عضو في أن تطلب التدخل من الإتحاد بغية إستعادة السلام والأمن وذلك طبقاً للمادة 4 ( ي ) من القانون التأسيسي.).
ويمكن اللجوء إلى جامعة الدول العربية كى تتخذ موقفا إيجابيا من ذلك بقرار يمثل ثقلا سياسيا على أثيوبيا يمكن أستخدامه فى الضغط الدولى عليها لكى تمتنع عن البدء فى إنشاء سد النهضة نظرا للأضرار والأخطار التى تصيب مصر والسودان منه.
وفى النهاية المطاف فى حقل المنظمات الدولية يمكن اللجوء إلى الأمم المتحدة سواء الى مجلس الأمن لإصدار قرار ملزم بمنع أثيوبيا من البدء فى إنشاء سد النهضة طبقا للمادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة لأن هذا السد يهدد السلم والأمن الدوليين، أو طلب رأى استشارى من محكمة العدل الدولية لبيان مدى شرعية حق اثيوبيا فى إنشاء سد النهضة ام لا؟ وبيان حقوق مصر التاريخية المكتسبة فى مياه نهر النيل؟ ويطلب ذلك من أحد أجهزة الأمم المتحدة سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو باقى الأجهزة الست المعروفة فى الأمم المتحدة، ويمكن الألتجاء إلى محكمة العدل الدولية برفع دعوى أمامه ضد أثيوبيا ولكن يعيب هذا ضرورة موافقة الجانب الأثيوبى على ذلك وهذا ما لم يحدث.
ومن المعلوم بالضرورة أن إنشاء سد النهضة يؤثر كثيرا على أمن مصر المائى وأمنها القومى بل على وجودها، ممن يعطى مصر الحق فى استخدام كافة الوسائل السلمية وغير السلمية لمنع أثيوبيا من إنشاء السد لخطره على مصر، ويمكن اللجوء لأستخدام القوة المسلحة من قبل مصر دفاعا عن حقوقها وأمنها طبقا للمادة (51) حال فشل كل الوسائل السابق بيانها هنا على ان يكون الخيار العسكرى أخر الخيارات.