في دراسة قدمها المعهد الألماني للشئون الدولية والأمن ببرلين، حول المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في مصر مؤخرا من الفترة 13 إلى 15 مارس، أكدت أنه لا يبدو في المستقبل أي بوادر انتعاش للاقتصاد المصري.
وجاء بالدراسة التي قدمها المعهد الذي يُعد أحد أهم داعمي اتخاذ القرار في ألمانيا، أن الاستثمار المرتقب عبارة عن رأس مال أجنبي له اليد العليا وصاحب القرار في المشروعات العملاقة التي تعتمد عليها إدارة عبد الفتاح السيسي (قائد الانقلاب العسكري) لتحفيز النمو.
وأكدت الدراسة أن المؤتمر الاقتصادي قد يخلق نمو لكنه قصير المدى، لن يؤدي إلى انتعاش اقتصادي دائم، حيث إن استراتيجية النمو المتبعة من إدارة السيسي لا تتطرق إلى أي حلول للمشاكل الهيكلية العديدة بما في ذلك الفساد المستشري والمحسوبية وعدم الثبات القانوني، فأي مردود إيجابي سوف يكون محدود التأثير، وسوف ينمو الشعور بعدم الرضا في قطاعات كبيرة من السكان؛ مما يؤدي إلى مزيد من القمع لكي تحافظ السلطة الحالية على مكانها.
ونصحت الدراسة ألمانيا والاتحاد الأوروبي بالتوقف عن دعم استراتيجية التنمية التي تنتهجها إدارة السيسي حتى تتخذ خطوات جادة للإصلاح الحكومي، هذا الشرط المسبق لوضع حد لهذا الصراع السياسي الحالي.
وتستعرض الدراسة عددًا من المشكلات المسببة للأزمة.
السيسي يخفي حقيقة الأزمة الاقتصادية
ذكرت الدراسة أن هناك ادعاءات بإصلاحات اقتصادية في مصر وأخفت الحكومة الحجم الحقيقي للأزمة الاقتصادية في مصر، استعرضتها الدراسة على النحو التالي:
1- توقف النمو الاقتصادي تمامًا منذ ثورة 25 يناير 2011.
2- الناتج الإجمالي المحلي من 2011 إلى 2013 لمواكبة الزيادة السكانية أقل من المتوقع.
3- حكومة محلب أعلنت أن الناتج الإجمالي المحلي للسنة المالية الحالية التي تنتهي في يونيو القادم سوف يرتفع بنسبة 4%، لكن هذا لن يستوعب التدفق السنوي للشباب المصري في سوق ويجب أن تكون نسبة النمو على الأقل من 6 إلى 7%. لخفض معدل البطالة المرتفع الذي يقدر حاليًا بـ40% بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 24 عامًا.
4- البطالة ووظائف (التيك أواي) وتضخم الموازنة المستمر ساهموا في خلق زيادة ضخمة في معدل الفقر الذي تجاوز في السنة المالية 2012 – 2013 أكثر من 26%، مما يعني زيادة 5% خلال أربع سنوات فقط. وتشير إحصاءات رسمية في 2013 – 2014 إلى أن نسبة 52% من الشباب يعيشون تحت أو بالكاد فوق خط الفقر الذي يعني أنهم يحصلون على نحو 40 دولارًا في الشهر.
الأزمة الطاحنة (إفلاس مصر)
عجز الموازنة مستمر بعكس ما تردده الحكومة؛ حيث ارتفع الدين العام بنسبة 11% منذ 2011، ليصل إلى أكثر من 94% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد حدث ارتفاع طفيف في الموازنة العامة بسبب القروض والمساعدات وشحنات النفط من السعودية والإمارات والكويت التي بلغت 23 مليار دولار. وبدون تلك المساعدات كانت مصر ستعلن إفلاسها.
وفي خطوات لإنهاء الأزمة قامت الحكومة برفع الدعم عن الوقود ما جعل الأسعار ترتفع إلى ما فوق 70%، مع مجتمع فقير ما يعني زيادة في الفقر، ولأن الغموض يلف الموازنة العامة للدولة يجعل من المستحيل التنبؤ على المدى المتوسط أو الطويل التأثير المتوقع لهذه التدابير.
مشاريع وخزائن الدولة الفارغة
تشير الدراسة إلى أن السيسي يعتمد في إعادة إحياء الاقتصاد المصري على مشروعات التنمية العملاقة، بالرغم من أن خزائن الدولة فارغة تمامًا، مشاريع الطاقة المتعددة إلى جانب مليون وحدة سكنية، وبناء عاصمة جديدة للحكومة بالقرب من القاهرة، وتوسيع قناة السويس هو محور الخطة الاقتصادية الذي ينتهي في أغسطس 2015.
وبينما تحتفل حكومة السيسي بمشروع القناة على أنه مشروع الوطن للتنمية الشاملة؛ تظهر علامة استفهام كبيرة حول كيفية حساب التكلفة والربح المتوقع الذي ما زال في مرحلة الدراسة والتخطيط.
توقعات الحكومة التي تشير إلى تضاعف حجم المرور والدخل لقناة السويس بنسبة 150% في عام 2023 هي توقعات تفتقر إلى المصداقية. حيث يعتمد عدد السفن المارة في قناة السويس على عوامل عدة، مثل حجم التجارة العالمية واتجاهاتها، بجانب قدرة القناة على استيعابها، وأيضًا هل بناء القناة الثانية سوف يكون له آثار جانبية على المدى الطويل. المشروع يستوعب كمية ضخمة من العمالة، ولكن في مرحلة التنفيذ فقط؛ أي بعد الانتهاء منه يعود كل إلى بيته.
شهادات إيداع القناة تضر بالائتمان المصرفي
اعتمد مشروع القناة على شهادات إيداع من المصريين، ويؤكد المعهد الألماني في دراسته أن هذه الشهادات من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم أزمة الائتمان في القطاع المصرفي المصري، ذلك لأن الأغلب تم شراؤه باستخدام الودائع الموجودة أصلًا لدى البنوك. خلاصة الأمر تطبيق هذا التمويل لمشاريع التنمية الأخرى غير واقعي بالمرة.
الاستثمار الأجنبي (على طريقة مبارك)
تعتمد إدارة السيسي على رأس المال الأجنبي لتمويل المزيد من المشروعات العملاقة، كما رأينا في المؤتمر الاقتصادي، وتأمل الحكومة في زيادة قدرة الدولة على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية مبدئيًّا من خلال قانون الاستثمار الجديد. لكن الإصلاحات التشريعية وحدها لن تحل المشاكل الهيكلية الاقتصادية لمصر، مثل قلة جودة التعليم في مصر، وضعف الابتكار والقدرات، وعدم كفاءة سوق العمل، وعلاوة على ذلك فإن الحكومة لا تفعل أي شيء بخصوص الفساد المستشري وسوء إدارة الدولة.
ومن شأن ذلك أن نطالب أولًا وقبل كل شيء بتحقيق شامل وشفاف في قضايا الفساد التي حدثت في عصر مبارك. في الواقع بدلًا من ذلك تم إسقاط التهم في العديد من القضايا في الأشهر الأخيرة أو انتهت بتسويات مبهمة.
تذكرنا الجهود الحالية لإدارة السيسي في سبيل جذب الاستثمارات المباشرة بالسنوات الأخيرة من عهد مبارك. كانت مصر قادرة على زيادة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عشرة أضعاف تقريبًا من خلال الإصلاح الجزئي للإطار القانوني.
وفي دراسة نشرها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في فبراير 2015، تنص على أن تدفق الاستثمارات الأجنبية كهدف في حد ذاته لا يعتبر وسيلة لمكافحة الفقر والبطالة والتخلف؛ مما يعنى أن الدولة تجذب فقط الاستثمارات التي لها عائد سريع، دون توفير فرص عمل حقيقية مثل مشاريع الإسكان للنخبة المصرية التي تمولها شركات من منطقة الخليج والمولات التجارية. بالإضافة إلى الاستثمارات المباشرة في قطاع الغاز والطاقة. مثل هذه المشاريع تساهم قليلًا في التصنيع ونقل التكنولوجيا والمعرفة.
القضاء والاستثمار
أشارت الدراسة إلى أن أحكام الإعدام الجماعية المُسيسة دون اتباع الإجراءات القانونية المعهودة في مثل هذه الأحكام؛ يزيد الشكوك حول عواقب الاستثمار في مصر. ولكن الأهم من هذا كله هو الوضع الأمني الحالي الذي سوف يؤثر على قرارات المستثمرين؛ فقد زادت حدة العنف بداوفع سياسية منذ تولي الجيش السلطة، مع هجمات شبه يومية على قوات الأمن ومحطات النقل والطاقة، وأيضًا مقرات الشركات الأجنبية المتهمة بدعم النظام.