يُوهم “عماد” أسرته كل يوم بالذهاب إلى المدرسة، وبالفعل يذهب لإثبات مجرد الحضور مخافة الفصل إذا تجاوز نسبة الغياب، بعد طابور الصباح الذي لا يذكر منه سوى اتفاقه مع زملائه على “التزويغ” بعد الحصة الأولى، يتوافد الطلاب على الأسوار فرادى وجماعات كالجراد المبثوث كأنهم يفرون من “أمنا الغولة” أو “أبو رجل مسلوخة” أبطال الحكايات الشعبية التي صارت موضع تهكم كثيرين منهم، ربما يليق بهم أكثر “الزومبي” ومصامصي الدماء.
ظاهرة الهروب من المدارس، أو كما يعرف عنها “التزويغ” استشرت بين طلاب المدارس بشكلٍ ملحوظ، في ظل إهمال المسؤولين عن المدارس والإدارات والمدريات التعليمية.
لانتشار الظاهرة أسبابه، وأهمها عدم وجود رغبة من الطلاب في التعلم، أو بالأصح عدم انجذابهم للدراسة في ظل نظام تعليمي مليء بالأخطاء والعيوب، فضلًا عن ملل الطلاب بسبب الروتين المدرسي اليومي بسبب افتقار المناهج التعليمية والتربوية للتجديد لمناسبة الجيل الجديد.
وربما تعود لاعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية، فلا يعبأون بما تقدمه المدرسة، أو لعدم اهتمام المدرس بالشرح للطلاب. ولا يعود انتشار الظاهرة إلى المناهج التروبوية وحسب، فبعض المدارس لا تحوي سورًا بين المدرسة والشارع، والبعض الآخر أسواره قصيرة لقدم بنيانه، ما يسهّل على الطالب الهروب.
انتشر فيديو لطلاب يقفزون من أعلى سور مدرسة “أمير الشعراء” التابعة لإدارة شرق مدينة نصر، و التي تقع بالحى الثامن، كما أذاع الفيديو برنامج “ممكن” الذي يقدمه الإعلامي خيري رمضان على قناة السي بي سي، وكان العجيب في هذا المشهد هو وقوف المدرسين بالقرب من الطلبة في أثناء هروبهم دون أن يحركوا ساكنًا.
توجه مراسل شبكة “رصد” إلى المدرسة لسؤال طلابها عن سبب لجوئهم إلى الهروب من المدرسة، فقال الطالب “محمد حمدي”: “إحنا مبنجيش إلا علشان خاطر الغياب وعشان ما ننفصلش، ولولا كدا والله ماكنا جينا”.
وافقه الرأي الطالب “عماد محمود” والذي أكد أن سبب مجيئه المدرسة أعمال السنة والغياب، ليضيف الطالب “حسام أحمد”: “إحنا كده كده بناخد دروس مع المدرسين اللي بيدونا في المدرسة، نروح نعمل إيه”.
حاولنا التعرف على الأسباب الحقيقية للمشكلة ورأي معلمين المدرسة فيها، وبسؤالنا للمدرس “م.ن” قال: “وأنا مالي اللي عايز يمشي يمشي.. وأنا هوجع دماغي ليه”.
وأضاف “ت.أ”: “اللي عايز يحضر هينفع نفسه، واللي مش عايز براحته”، وألقى “م.ر” اللوم على الطلاب وأخلاقهم في انتشار الظاهرة قائلًا: “دي عيال صايعة سيبك منها”.
الظاهرة لاقت من اللوم ما لاقته من أولياء أمور الطلاب، فقال والد الطالب “ك.م”: “أنا لما عرفت إن إبني بيزوغ، منعت عنه المصروف وحبسته في البيت وبدأ يتظبط شوية”، لتضيف والدة الطالب “أ.ح”: “مبنقدرش نتكلم معاهم، الأولاد كبرت وبقوا بيبجحوا ويردوا علينا”.
ورصد مراسل شبكة رصد انتشار الظاهرة بين المدارس الثانوية بشكلٍ كبير، ففي مدرسة الحي السادس الثانوية في مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة، تجد الطلاب يتوافدون على السور للهروب بعد الحصة الأولى.
في المدرسة ظاهرة غريبة نوعًا ما، وربما مضحكة للبعض، فالطالب الذي يريد الهروب من المدرسة بتسلق السور، عليه دفع جنيه، ويسمي الطلاب الجنيه فيما بينهم بـ “كارتة التزويغ”.
من ناحية أخرى، قال الطالب “ع.م.” لمراسلنا ملقيًا باللوم على المعلمين، قائلًا: “وهنقعد قي المدرسة ليه؟ كدا كدا المدرسين مبيشرحوش حاجة”.
أما الطالب “م.ح” فله رأي آخر، حيث قال: “طيب بتزوغوا ليه طالما ممكن متجوش، بابا بيوصلنى الصبح وبيستنى يشوفنى دخلت المدرسة، وكمان علشان الغياب”.
وبسؤال أحد المدرسين قال: “محدش بيزوغ غير الطلاب الفشلة، الطالب الحريص على التعليم هيقعد يشوف مصلحته”.
وأضاف الأستاذ “م” : “الظاهرة مش جديدة، بقالها كام سنة، ومش هتختفي غير لما العملية التعليمية تتطور وتتحسن والطالب يلاقى حاجة تجذبه في المدرسة”.
فيما يخشى عمال المدرسة الاشتباك اللفظي أو التعرض للإهانة مع الطلاب إن منعوهم من الهروب، فأكدوا على تجاهلهم أمر هروب الطلاب.
ويظل الأمر منتشرًا بين طالب لا يعبأ بالمدرسة أو ما تقدمه من مواد علمية وتروبية، وبين مسؤولين لا يتجهون للتطوير لجذب الطالب للمدرسة، وبين مدرس يلقي باللوم على الطالب أو لا يهتم للمشكلة، حتى ينظر المسؤولين في وزارة التربية والتعليم للمشكلة، ويسعون لحلها.