شهدت مصر بالأمس تظاهراتٍ حاشدة في الذكرى الرابعة للثورة، ولكن اللافت هو تلك التجهيزات الأمنية لقوات الشرطة والجيش والتي استعدت للحدث وكلفت الدولة ميزانية إضافية في وقت تعاني فيه اقتصاديًا.
حاولت "رصد" استطلاع آراء الخبراء حول تكلفة تلك التجهيزات وعن توقعاتهم لتأثير تظاهرات الأمس على مستقبل الاستثمارات بمصر في ظل استعداد حكومة الانقلاب لمؤتمر مارس المقبل.
التجهيزات كلفت الدولة مليارات
قال الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام: إن ما شهدناه أمس من تظاهراتٍ معارضة للانقلاب والعنف الذي تعامل به الأمن مع تلك التظاهرات يعطي رسالة للمستثمرين الأجانب أن ما حدث اليوم سيؤثر على جذب الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة القادمة؛ لأنها أوصلت رسالة قوية بعدم وجود أمن واستقرار وبالتالي نفور الاستثمارات الأجنبية التي تتوقع حكومة الانقلاب استقبالها خلال مارس المقبل.
عبد السلام أضاف: إن أي بلد يمكن أن يشهد تظاهراتٍ معارضة للحكومة، ولكن التعامل الأمني العنيف وقتل المتظاهرين هو ما يدفع المستثمرين للهروب؛ لأنه يؤكد لهم عدم قدرة هذه الحكومة على مواجهة معارضيها وحل الأزمات السياسية بالبلاد.
وأشار عبد السلام في حديثه لرصد إلى أن ما حدث بالأمس من ارتباك أمني وخروج آلاف المعارضين للانقلاب، وقتل الأمن أكثر من 15متظاهر يعطي رسالة للمؤسسات الدولية بأن هناك مخاطر متنامية من الأوضاع السياسية والأمنية وهو ما يؤجل منح قروض ومساعدات لحكومة الانقلاب .
وتابع: "إذا أضفنا لذلك وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية، والذي كان الداعم الرئيسي للانقلاب، ودخول دول الخليج الداعمة للانقلاب في أزمة مالية بسبب تهاوي النفط يصبح مؤتمر مارس محل تساؤلات ".
عبد السلام لفت في حديثه لرصد أن التجهيزات الأمنية التي كانت على مستوى عالٍ من الجهوزية تتنافى مطلقًا مع ما تمر به مصر من عجز موازنة ونقص سيولة متسائلا ً: من أين تم تمويل كل التجهيزات؟
وقال الخبير الاقتصادي: "في تقديري إن تلك التجهيزات كلفت الدولة المليارات، وليس ملايين، وهو ما يعد علامة استفهام في ظل عجز الموازنة الذي يتجاوز 255 مليار جنيه، مضيفًا أنه يعتقد أن الآلة العسكرية التي تم استخدامها أمس تمت من وفر المشتقات البترولية والتي يقدرها البعض ب40 مليار جنيه ".
ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه من المستبعد حصر تكاليف تلك التجهيزات ؛ لأن بعض مساعدات الخليج الداعم للانقلاب وعلى رأسها الإمارات والسعودية والكويت كانت في شكل مدرعات حديثة استوردتها تلك الدول من الولايات المتحدة والتي لم يعلن عن قيمتها .
عبد السلام قال أيضًا: إن الدولة تكبّدت خسائر ضخمة جراء وقف المصانع والشركات وعدم ذهاب العمال لمصانعهم
وقف العمل يوميًا
الخبير الاقتصادي الدكتور سرحان سليمان قال إن التعبئة الأمنية للجيش والشرطة بالأمس كلفت الدولة الكثير في الوقت الذي تعاني فيه اقتصاديًا مشيرًا إلى أن الرسالة التي وصلت بالأمس خلال تلك التظاهرات المعارضة للانقلاب سلبية .
وأضاف سليمان: إن خسائر الدولة من وقف الأعمال والمصانع والشركات ليوم واحد تفوق مليار جنيه متوقعًا عدم قدرة الحكومة خلال الفترة المقبلة على جذب الاستثمارات الأجنبية في وقت تهرب فيه الاستثمارات المحلية !
سليمان قال في حديثٍ خاص لرصد: إن قطاع السيارات، وهو الأكبر بالاستثمارات في مصر أعلن عن تذمره من الوضع الحالي، وبعثوا برسالةٍ لحكومة الانقلاب أعلنوا فيها رفضهم حضور مؤتمر مارس المقبل.
سليمان لفت أيضًا إلى أن المستثمرين الخليجيين أعلنوا تذمرهم من عدم قدرة حكومة الانقلاب على تحديد المشروعات التي يمكنهم الاستثمار بها الفترة المقبلة وعجز حكومة الانقلاب عن توفير الطاقة للمشروعات المستقبلية.
واتفق سليمان مع عبد السلام أيضًا في أن وفاة الملك عبد الله ستؤثر أيضًا على المساعدات السعودية لمصر خلال الفترة المقبله والتي تعد الأضخم
وقال: إن المظاهرات التي خرجت بالأمس تؤكد على الاضطراب السياسيي والأمني، وبالتالي تؤثر علي تصنيف مصر الائتماني بالمستقبل القريب ويعطي رساله سلبية للمستثمرين.
المركزي يتبع سياسة انتحارية
الخبير الاقتصادي ومستشار أسواق المال وائل نحاس، كان له رأي آخر فقال: إن التهويل الإعلامي الذي حدث منذ أسبوع قبل الذكرى الرابعة لثورة يناير والتي أثارت الفزع مما يمكن حدوثه باليوم من اضطرابات سياسية وأمنية، قلل من أحداث الأمس برغم أن التظاهرات كانت حاشدة والتعامل الأمني قابلها بعنف، إلا أن التهويل الإعلامي السابق لها هوّن منها
نحاس أضاف في حديث لرصد: أنه يتوقع أن التجهيزات الأمنية بالأمس لن تتعدي تكلفتها ال100مليون جنيه؛ لأن التشكيلات الأمنية لم تكن قوية على الأرض، ولكنه أكد في الوقت نفسه أنها أعطت رساله سلبية للمستثمرين.
وأشار نحاس بحديثه إلى أن حكومة الانقلاب تفتقد لرؤية اقتصادية، فحتى قانون الاستثمار الموحد الذي أعلنت عن قرب إصداره يشيرإلى انعدام الرؤية، خاصة أنها تعتزم إصداره قبل البرلمان القادم، وهو ما لا يطمئن المستثمر؛ لأن البرلمان قد يرفض القانون وهو ما يفسد المشاريع التي تحاول الحكومة جذبها بناء على القانون
نحاس لفت أيضًا بحديثه إلى أن السياسة الحالية التي يتبعها البنك المركزي المصري هي سياسة انتحارية بعد خفض سعر الفائدة لرغبته في خفض عجز الموازنة الحالي والديون الداخلية للحكومة، مشيرًا إلى أن تلك السياسة تعمل على اتجاه المستثمرين للسوق السوداء لحصولهم على فائدة أعلى ومكاسب أكبر من وضع نقودهم بالبنوك
وأشار إلى أن الحكومة الحالية تحاول تطبيق سياسة صندوق النقد الدولي من خفض سعر الجنيه أمام الدولار بعد عجزها الحفاظ على الاحتياطي الأجنبي عند 20 مليار دولار متوقعًا فشل تلك السياسة
نحاس توقع أن الأوضاع الاقتصادية القادمة ستكون أصعب بكثير في ظل تهاوي سعر الجنيه أمام الدولار، وفشل المركزي بالقضاء على السوق السوداء، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع وبقاء دخل المواطن كما هو، بالإضافه لتراجع الصادرات والسياحة والاستثمارات الحالية.