قال "مركز التقدم الأمريكي" خلال تعليقه على المظاهرات والحراك الثوري الذي شهدته مصر خلال الذكرة الرابعة لثورة 25 يناير اليوم الأحد: " إنه نظرا لحالة عدم اليقين التي تهيمن على اللحظة الراهنة، يجب على الولايات المتحدة أن تستعد لمجموعة واسعة من السيناريوهات المحتملة التي قد تطرأ على المشهد في مصر خلال عام 2015، لكن يجب أن تبذل جهودا حثيثة للعمل مع مصر لبناء مرتكزات جديدة للعلاقة المشتركة بينهما على مدى السنوات الأربع القادمة".
جاء ذلك في تقريرٍ بعنوان "مرتكزات جديدة للعلاقات الأمريكية-المصرية"، استند إلى "تحليلٍ مستمر للاتجاهات الإقليمية، وزيارةٍ إلى مصر أواخر أكتوبر 2014؛ شملت مقابلات مع أكثر من ثلاثين مسؤولا حكوميا وسياسيا واقتصاديا ورجل أعمال وقادة دينيين ونشطاء مجتمع مدني وصحفيا ومحللا مستقلا".
ورأى المركز أن عام 2015 يوفر فرصا محتملة، لكنها ستتطلب من البلدين أن يتعلما بعض دروس السنوات الأربع الماضية وأن يتطلعا إلى المستقبل. مضيفًا: "تحتاج البلدان إلى تجاوز الطريقة القديمة لممارسة الأعمال (التركيز الشديد على التعاون العسكري التقليدي) والتطلع إلى مستقبل جديد حيث تتضمن العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي تعاونا اقتصاديا موسعا وحوارا دبلوماسيًا وسياسيا جديدا وأكثر إيجابية".
وأكد التقرير- الذي صدر بتاريخ يناير 2015 في 26 صفحة- أن "مصر- أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان- لا تزال تمثل اختبارا مركزيا للمعركة الأوسع التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتقدم في المنطقة. وبعد مرور أربع سنوات على بداية الانتفاضات العربية، لا تزال مصر تواجه العديد من التحديات التي أشعلت الموجة الأولى من الاحتجاجات".
وأضاف: "ينبغي على الولايات المتحدة ومصر العمل سويا لبناء مجموعة جديدة من مرتكزات التقدم والاستقرار في هذه المرحلة الانتقالية المضطربة في الشرق الأوسط. وسيكون القيام بذلك صعبا على الولايات المتحدة إذا لم تتخذ الحكومة المصرية الجديدة إجراءات كبيرة لتصحيح مسار انتقالها السياسي. وعلى الأرجح، سوف تبقى الجهود المبذولة لتعزيز التعاون بين البلدين محدودة، والعلاقات متوترة؛ طالما استمرت مصر في نهجها الحالي الذي يفرض قيودا على الحريات الأساسية والتعديدة السياسية".
وأردف التقرير: "لا تزال مصر في خضم تحولات سياسية واقتصادية لم تكتمل. وقد أصيب المصريون بالصدمة من موجات الاحتجاج المتعددة، والتغييرات في القيادة، والحملات الأمنية. والمناخ السياسي العام في مصر هو عبارة عن مزيج معقد من القلق والتوتر والإرهاق، والأمل في أن تحقق البلاد مزيدًا من التقدم خلال السنوات الأربع المقبلة أكثر مما كانت عليه في الأربع الماضية".
وبحسب التقرير "إذا استطاعت مصر تثبيت موطئ قدم لها في عالم الاستقرار، وحققت تقدما اقتصاديا وسياسيا، سيكون لديها القدرة على تقديم موارد هائلة لقضية الاستقرار الإقليمي والعالمي. لكن الطريقة الوحيدة لكي تحقق مصر الأمن المستدام طويل الأجل، هي: تحديث القطاعات الأمنية والاقتصادية، وتوفير بيئة سياسية تنافسية تحمي الحريات الأساسية".
وأكمل التقرير "وبينما يبدو أن السيسي يتمتع بدعم سياسي واسع في أوساط المصرين، فإن شرائح مهمة من المجتمع المصري لديها مخاوف كبيرة حيال القيود التي يفرضها على الحريات الأساسية وإغلاق الفضاء السياسي. والطريقة التي يحكم بها السيسي ويتعامل مع التحديات الجسام التي تواجه بلاده سوف تعيد تعريف ما تمثله مصر كبلد، ودورها في المنطقة. فمنذ بداية القرن الـ 21، شهدت مصر ذبول نفوذها الإقليمي، يعوقها الثقل الهائل من التحديات الداخلية، وسوء إدارة الأصول الوطنية".
وكشف التقرير أن كبار صناع السياسة في الولايات المتحدة يتحدثون بشكل متزايد عن مصر كمشكلة ينبغي إدارتها، ويتركز اهتمامهم على تفادي النتائج الأسوأ التي قد تنجم عن انهيار الدولة. واليوم تولي الولايات المتحدة لمصر هتماما أقل مما توليه إلى دول مثل الأردن والإمارات فيما يتعلق بجهود التعاون الأمني الإقليمي مثل التحالف الأمريكي ضد تنظيم "الدولة". الأكثر من ذلك أن الأساس المنطقي الاستراتيجي المركزي للعلاقات الأمريكية-المصرية على مدار 35 عاما- باعتبار أمريكا ضامنا للسلام بين مصر وإسرائيل- يبدو أنه تزعزع. فالقادة الإسرائيليون والمصريون يعلنون الآن أن العلاقات الثنائية بين البلدين أقوى من علاقاتهما مع الولايات المتحدة، ويرسلون رسالة مفادها أن مصر تتمسك بمعاهدة السلام مع إسرائيل من منطلق المصلحة الذاتية الوطنية، وليس بسبب المساعدات الأمريكية".
واقترح التقرير- الذي أعده بريان كاتوليس ومختار عوض- ولبناء مراسي جديدة للعلاقة بين البلدين، "على واشنطن والقاهرة استغلال الحوار الاستراتيجي القادم، المزمع إجراؤه هذا العام؛ لتعزيز محادثات بناءة أكثر والتطلع إلى بناء إطار جديد للعلاقات الثنائية بحلول عام 2020. وينبغي على البلدين السعي لتطوير نهج تطلعي مشترك على ثلاث محاور:
* تحديث شامل لقطاع الأمن لمواجهة التهديدات الجديدة:
إذ نسلم بأن التعاون الأمني الحالي بين الولايات المتحدة ومصر نشأ في عصر مختلف، يتعين على البلدين استخدام الحوار الاستراتيجي المقترح لوضع خطوط عريضة لبرنامج تعاون أمني يهدف إلى مواجهة تهديدات اليوم. في هذه الحوارات الاستراتيجية المستقبلية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تفتح آفاقا جديدة لتقديم المساعدة الأمنية المتراجعة حاليا، فضلا عن استئناف التدريبات العسكرية المشتركة المتوقفة على فتح حوار حول إصلاحات جوهرية للمؤسسات الأمنية في مصر.
* مكافحة التطرف العنيف: إطلاق حوار مفتوح حول التعددية والإصلاح السياسي.
صحيح أن الحكومة المصرية بررت القيود التي تفرضها على الحريات الأساسية وإغلاق الفضاء السياسي بوضعها في سياق معركتها ضد الإرهاب، بيدَ أن ضمان هذه الحريات الأساسية ضروري لضمان الاستقرار السياسي وفي نهاية المطاف الهزيمة السياسية للمتطرفين. وتحتاج مصر إلى بيئة سياسية أكثر استدامة؛ لتنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق، وهو ما يتطلب بيئة تسمح بنضوج الفاعلين السياسيين وظهور مجموعة جديدة من الأصوات بما يملأ المساحة التي يمكن أن تزدهر فيها الأيديولوجيات المتطرفة. وينبغي على البلدين توسيع النقاشات الأكثر صدقا حول ضرورة التعددية ومواجهة التطرف والإصلاح السياسي؛ بالنظر إلى تأثير هذه القضايا على الاستقرار العام في مصر وصحة العلاقات الثنائية.
* الاقتصاد: الدعم الدولي متعدد الأطراف للإصلاح الاقتصادي في مصر.
ينبغي على مصر والولايات المتحدة أن يعملا سويا، وبالتعاون الوثيق مع القوى الإقليمية في الخليج؛ لإصلاح الاقتصاد المصري من أجل تحفيز النمو الشامل وخلق فرص عمل وكسر حلقة الاعتماد على المساعدات الخارجية ورأسمالية المحسوبية التي اتسمت بها العقود الماضية.