كان حادث الهجوم على "شارلي إيبدو" ذريعة لمضي عدة جهات في فجورها بدعوى محاربة الإرهاب، وعلى الرغم من أن تلك الجهات نددت وأدانت وشجبت، إلا أن ذلك الهجوم كان مصدر سعادة لها، وكأنها تقول للعالم، أنها تنتهك وتخرب تحت تلك المزاعم.
فما هي هذه الجهات التي استفادت من الهجوم؟
الولايات المتحدة الأمريكية
منذ بضعة أشهر والولايات المتحدة الأمريكية تُظهر أمام العالم كله أنها تكافح الإرهاب في العراق بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وتحشد عدة دول لدعمها ومساندتها في حملتها الاستعمارية الثالثة ضد العراق، وعلى الرغم من أن هذا هو السبب المعلن، إلا أن هناك أسباباً أخرى خفية، إذ أشارت صحيفة "أمريكان فري برس" الأمريكية، إلى أن الأسباب التي قادت أمريكا إلى إطلاق حملة عسكرية لاستئصال شأفة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، هو تخوف واشنطن من تأسيس اقتصاد إسلامي خال من المعاملات الربوية، مشيرة إلى أن الوحشية، التعذيب والاغتيال كلها أشياء يمكن للولايات المتحدة أن تسمح بوجودها في حلفاؤها، لكن الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن تتسامح معه واشنطن هو قيام اقتصاد إسلامي خالٍ من الربا.
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة التي غزت العراق وأفغانستان، قلبت نظام الحكم في ليبيا وقسمت السودان للقضاء على معاقل القوى التي رفضت ربط أنظمتها المصرفية بـ بنك إنجلترا المركزي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ترى أن مكاسبها في العراق وجهودها في سوريا باتت عرضة للخطر المتمثل في تنظيم داعش الذي أعلن مؤخرا عن صك عملته الخاصة به المصنوعة من الذهب والفضةأن أمريكا، بالرغم من كل ذلك، ليس لديها أدنى مشكلة في دعم جماعات تعذب وتغتال البشر، تفرض القوانين وتنشر الأفكار الشيوعية.
فيما قال محمد سيف الدولة- في مقال له على عربي 21- الولايات المتحدة الأمريكية هدفها الفعلي هو حماية وجود وأمن وحدود الدولة الكردية الناشئة، وضمان ترسيم الحدود الجديدة في العراق وسوريا وفقاً لخرائطها هي، وليس لأي خرائط أخرى، بالإضافة بالطبع إلى مصالحها الأصلية المقدسة في النفط العراقي.
الكيان الصهيوني
وعلى الرغم من الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني، والذي بدأ منذ عقود، إلا أن الكيان الصهيوني أعلن عن رفضه لهجوم "شارلي ايبدو" وشارك في المسيرة التي أطلقت بدعوى محاربة الإرهاب، على الرغم من أن ما يقوم به تجاه الفلسطينيين على مر سنوات يراه الجميع، إلا أن الحادث عاد بالنفع على "إسرائيل" من عدة محاور، كان أولها دعوة رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، يهود فرنسا للهجرة إلي "إسرائيل".
وأثارت تلك الدعوة حالة من الجدل داخل الأوساط السياسية بـ"إسرائيل"، عقب حادث "شارلي إيبدو"؛ إذ قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من الحكومة إن عضوة الكنيست تسيبي ليفني ورئيس الوكالة اليهودية أكدت أن هجرة يهود فرنسا إلي "إسرائيل" لابد أن تكون ذات خلفية صهيونية وليس بسبب الإرهاب، حيث أعربت عن تمنيها أن يهاجر إليها اليهود علي الرغم من الصعوبات الأمنية التي تواجها "إسرائيل" حالياً في القدس.
وبحسب الصحيفة فإن ناثان شنركي رئيس الوكالة اليهودية قال إن من مصلحة "إسرائيل" أن تكون هناك جالية يهودية قوية بفرنسا، واقتبس أحد أقوال قادة الصهيونية قائلا: "من المهم ألا تكون الهجرة إلى إسرائيل بدافع الخوف ومعاداة السامية، يجب أن تكون الهجرة إليها بدافع الصهيونية والهوية".
ويقول -في مقال له نقله موقع عربي 21- إن مصلحة "إسرائيل" في تلك الحادث جاءت في عدة أمور "أولها الدفاع عن جرائمها ضد الفلسطينيين بذريعة أنها تحارب الإرهاب ذاته الذي ضرب فرنسا، والذي يضرب العراق وسوريا، وأن القضية ليست بين احتلال وأصحاب أرض، وإنما بين دولة ديمقراطية متحضرة وإسلام راديكالي إرهابي متطرف ومتخلف".
وأضاف: "وثانيها استجلاب أكبر عدد من يهود فرنسا وربما أوروبا إلى فلسطين، وثالثها إضعاف حملة التعاطف الأوروبي الأخيرة مع القضية الفلسطينية، ورابعها تدعيم التحالف الإسرائيلي مع عدد من الدول العربية الكبرى؛ لمواجهة العدو المشترك المتمثل في حماس وداعش. وفقاً لما صرح به نتنياهو صراحة عدة مرات، وصدق على كلامه وزير الخارجية الأمريكية جون كيري".
الانقلاب في مصر
وفي مصر جاء حادث "شارلي إيبدو" بمثابة التأكيد على مزاعم الانقلابيين، من أن ارتكاب المذابح والانتهاكات والاعتقالات في مصر ما هي إلا أمور توضع تحت ذريعة مواجهة الإرهاب، لا سيما وأن السيسي قد دعا الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى تفويض شعبه من أجل محاربة الإرهاب، على نسق ما تم في مصر.
وأطاح الانقلاب العسكري في مصر بمكتسبات بثورة يناير، وأعاد إنتاج نظام مبارك بكل سياساته الخارجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وواجه الإسلاميين وجماعة الإخوان، وأعلن حركة "حماس" إرهابية، بدعوى محاربة الإرهاب، بحسب مراقبين.
وتوطت العلاقات بين مصر و"إسرائيل "، بعد أن أعلن الجيش نيته إزالة مدينة رفح لإنشاء المنطقة العازلة بين مصر وغزة، واتخاذ سلسلة من الإجراءات قال متابعون إن الهدف منها حماية أمن إسرائيل، مثل هدم الأنفاق تحت الأرض مع إغلاق المعبر فوق الأرض.
اليمين الأوروبي
واستغل حادث هجوم "شارلي إيبدو"، اليمين المتطرف في أوروبا والذي يمثله حزب الجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبان في فرنسا، وحركة بيديجا في ألمانيا ومؤخراً في إسبانيا، وحزب بريطانيا المستقلة، وحزب الحرية في هولندا، حيث أشارت صحيفة "الجارديان" تحت عنوان "اليمين الأوروبي المتطرف يستخدم الهجمات لإشعال فتيل الروح المناهضة للإسلام"، إلى أنه في ألمانيا بدأ زعماء الطائفة الإسلامية باتخاذ خطوات لاستباق الآثار السلبية التي قد تترتب عن الهجوم على مجلة شارلي إيبدو، حيث سيشارك ممثلون عن 900 مسجد في وقفة تضامنية بالشموع، ويطلبون من الله الرحمة والمغفرة لضحايا الهجوم".
وأضافت الصحيفة أن منظمات يمينية متطرفة مثل منظمة "البديل من أجل ألمانيا" (أيه اف دي) وكذلك تجمعات حليقي الرؤوس قد استغلت ما حدث من أجل لفت انتباه الشعب الألماني إلى أنهم كانوا محقين في تحذيرهم من الخطر المستفحل للإسلام والمهاجرين المسلمين.
فيما أشارت جريدة "الإندبندنت" إلى تظاهر نحو 35 ألف شخص في مدينة دريسدن الألمانية؛ احتجاجاً على المسيرات المعادية للمسلمين التي نظمتها مؤخرا حركة "بيجيدا"، مضيفة أن هذا العدد يمثل ضعف عدد المشاركين في أكبر مظاهرة تمكنت "بيجيدا" من تنظيمها قبلها بأيام.
وقد شن اليمينيون بأوروبا عقب الحادث، حملات منظمة ضد الإسلام والمسلمين، مطالبين بتطهير أوروبا منهم ومطاردتهم وتقييد حركتهم والحد من حقوقهم وحرياتهم، كما طالبت بعض الحكومات الأوروبية بإعادة النظر في اتفاقية "شنجن" بهدف إعادة المراقبة للحدود المشتركة، ووضع القيود أمام حركة وانتقال المواطنين كأحد الإجراءات الوقائية في مواجهة الإرهابيين الأوروبيين المحتملين.