تحولت الآلام والظروف الصعبة التي يعيشها عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون بعد الانقلاب العسكري على شرعية أول رئيس مدني منتخب، إلى مجتمع تحولت فيه ظلمة المعتقلات إلى مصابيح من التضحية والأخوة والبذل في سبيل قضية آمن بها إخوة اجتمعوا في سجون الانقلاب على الحب في الله والإيمان بقضية عادلة، هي ما فهمه هؤلاء المعتقلون من قول النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص".
هذه الحالة عبر عنها أحد المعتقلين وهو أ.د. شريف أبوالمجد، معتقل حاليًا منذ أكثر من عام. وكان يعمل أستاذًا متفرغًا (على المعاش) في كلية الهندسة بالمطرية جامعة حلوان، وكان مديرًا لمركز التنمية التكنولوجية بجامعة حلوان، ورئيسًا للجنة التعليم وعضوًا بالمجلس الأعلى بنقابة المهندسين قبل اعتقاله.
أنشأ د. أبو المجد مدونة ليكتب من خلالها خواطره من وراء الأسوار، عبر فيها عن الحب في الله خلال هذه المحنة العظيمة التي يعيشها آلاف المعتقلين، والتي استغلها المعتقلون بتحويل هذه السجون إلى مدينة جديدة تقوم على الأخوة، وهو ما عبر عنه صاحب المدونة في المقال التالي.
المشاعـر
إن العلم الحديث قد أثبت أن المشاعر تدخل في التفكير، والحقيقه أن المشاعر تدخل أيضًا في الإيمان، وفي كل جوانب الحياة، وقد ركز الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) على المشاعر تركيزًا كبيرًا وبالذات الحب والموالاة والخصام والإحسان والتحكم في الغضب وكظم الغيظ
الحب
يقول الله تعالى " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"، وتوضح هذه الآيه أن الحب هو الدافع لاتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، واتباع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كل ما يأتي به، والإيمان لا يكتمل إلا بحب الله ورسوله، ويقول رسولنا الكريم:" لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ومن الناس أجمعين"، وقد تعجب عمر -رضي الله عنه- كيف يمكن أن يحب الإنسان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أكثر من نفسه، إذ قال للرسول (صلى الله عليه وسلم) إنه يجبه أكثر من والده وولده، ولكنه لم يستطع أن يقول إنه يحبه أكثر من نفسه التى بين جنبيه، ولكنه لما تفكر أن كل الخير الذي وصل إليه عندما دخل الإسلام بسبب الرسول (صلى الله عليه وسلم) أحس أنه يحبه أكثر من نفسه التي بين جنبيه، فلما أخبره ذلك قال له الرسول الكريم"الآن يا عمر" أي: الآن اكتمل إيمانك يا عمر.
ولذلك عندما نتأمل آيه سوره التوبة " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لايحب القوم الفاسقين عندما نتأمل هذه الآيه نجد أن الله سرد فيها كل ما يحبه الإنسان حبًا جمًا من أنواع المال والولد: حب الأبناء والأهل والعشيرة ، وحب الأموال والتجارة ، وحب المساكن والضياع ، ثم قرر حقيقه إن كان هؤلاء أحب إلى المرء من الله وجهاد في سبيله فالإنسان لن يكون قد اكتمل جوانب الإيمان، وعليه أن يتربص حتى يأتي الله بأمره، وقد استخدم الله في وصفه لفظًا شديدًا وهو الفسوق وعندما نتأمل في هذه الآيه نعجب من كلمة (اقترفتموها)، فالإنسان يقترف جريمة، أي أن لفظ يقترف توحي بأن هذا المال وليس من طريق حلال، وكذلك لفظ تخشون كسادها في حالة التجارة، فالمرء يخشى حتى من قول كلمه الحق إذا كان تاجرًا ، لأن أي غضب من الحاكم عليه سيجعله يفقد تجارته وتكسد، ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في معنى الحديث إن الولد مجبنة مبخلة، أي أن الشاب قبل الزواج يسير في المظاهرات ويحمل اللافتات ويتحدى الظالمين، أما بعد الزواج والإنجاب فيحس أنه مسئول عن زوجة وأبناء فيخشى الاعتقال لو سار في مظاهرة، ويبخل بماله، لأنه كما يقول الغوغاء: اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع.
الحب في الله والبغض في الله
ويتفرع من هذا الحب: الحب في الله والبغض في الله ، كما يقول الله تعالى:"لاتجد قومًا يؤمنون بالله ورسوله يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله، ألا أن حزب الله هم المفلحو ّ ، وهنا أيضًا يربط القرآن الحب في الله أو المودة بالإيمان، فلا يكون الحب والمودة إلا لمن يوالى الله ورسوله، أما من حاد الله ورسوله فلا موالاة معه ولو كان من الآباء والأبناء أو الأخوة أو العشيرة أو حتى الزوجة، كما قال الله تعالى في حق زوجتي نوح ولوط كانتا تحت عبدين من عباده صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئًا عليهما السلام.
ومن حسن التعامل بين الناس –وهو ما يسمونه الآن الذكاء الاجتماعي– أنك إذا أحببت أحدًا في الله أن تقول له يا فلان إنى أحبك في الله، فيرد عليك ويقول أحبك الله الذي أحببتني فيه، وقد سأل الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أحد صحابته "أتحب فلانًا؟ قال: نعم، قال: وهل أخبرته؟ قال: لا، قال: فاذهب وأخبره.
وأحيانًا تكون المشاعر السلبيه مخذّيه في القلب، وهي حالة المنافقين، فيقول الله تعالى:"ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لايحب الفسادّ، فلا يكفي أن يعجب الإنسان بقول من يقول، ولكن لابد أن يوافق عمله قوله، ولابد أن تجده ملتزمًا بالصلاة لأنها أثقل شيء على المنافقين، ولو اطلع الله الناس على ما في قلبه لوجدوه ألد الخصام.
وقد نهانا الله سبحانه وتعالى أن نتولى من قاتلونا في الدين أو أخرجوا إخواتنا الفلسطينين من ديارهم، فقال عز وجل:"إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فآولئك هم الظالمون ".
والحقيقه أن الكفار والمنافقين بعضهم أولياء بعض، وهم عصبة ووحدة ضد أهل الإيمان، يقول تعالى:"والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، فما هو الذي إن لم نفعله تكن فتنة في الأرض وفساد كبير؟ أن يكون المؤمنون كذلك بعضهم أولياء بعض، حتى يعينوا بعضهم البعض على إقامة الدين والتصدي لمؤمرات الفاسدين.
الإحسـان
والإحسان هو الإتقان وهو أيضًا من المشاعر الجميلة التي تجعل الإنسان يعطف على الفقير والمريض ويحسن إليهم ، وأعلى درجات الإحسان هو الإحسان إلى الوالدين، حتى إن جاهداك على أن تشرك بالله ما ليس لك به علم، فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا.
ويقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم):" إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته، فالإحسان مطلوب حتى عند التعامل مع الحيوان الأعجمي، وحتى أثناء ذبحه للانتفاع بلحمه، لابد من الإحسان، فلا يذبح حيوان أمام آخر، وليحد الجزار سكينه ويرح ذبيحته.
كظم الغيظ
من الجوانب التي اكتشفت حديثًا في الإنسان هي ما يسمى بالذكاء الوجداني وهو عدة مهارات، منها إدارة الذات، حيث يدرك الإنسان مشاعره لحظة تولدها لكي يكون قادرًا على التحكم فيها، ومن أهم المشاعر التي يجب أن يتحكم فيها الإنسان هي الغضب وذلك بكظم الغيظ، يقول تعالى:"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنات عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين" وهناك قصة مشهورة عن أحد أحقاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما كانت جاريته تصب على يديه الماء للوضوء وأخطأت خطئًا كبيرًا جعله يغضب بشده، فقالت له: والكاظمين الغيظ ، فقال: كظمت غيظي، فقالت والعافين عن الناس، قال: عفوت عنك، قالت: والله يحب المحسنين، فقال: اذهبى فانت حرة لوجه الله.
والرسول (صلى الله عليه وسلم) يوصي المسلم بوصايا جميله تساعده على إدارة الذات، فيوصي المرء أولا ألا يغضب، كيف؟ أن يختار ألا يغضب، كيف؟ إن بين المؤثر والاستجابة مسافة، فإذا قال أحدهم أو فعل شيئًا أغضبه فليستغل هذه المسافة حتى يتحكم في غضبه، وقد سهّل الرسول (صلى الله عليه وسلم) على الغاضب مسأله التحكم في ذاته وذلك بأن أوصاه أن يذهب ليتوضأ قبل أن يبادر برد الفعل، وذلك لأن الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من نار، والماء يطفأ النار، وفي الوقت المطلوب للوضوء يكون الإنسان قد فكر جيدًا في رد فعله، لأنه من التفكير الجيد التفكير في ما سيترتب على أي قول أو فعل قبل قوله أو فعله، والحكماء قالوا " أن الكلمة إذا لم تنطقها ملكتها، ولكن إذا نطقت بها فقد ملكتك" ، والرسول يحذر من الكلمة فيقول:"إن أحدكم ليتكلم بالكلمة – لا يلقى لها بالاً – تهوى به في النار سبعين خريفًا".
فلابد أن يتحكم الإنسان في مشاعره ويجيد إدارة عواطفه، وذلك يأتي بالتدريب الطويل، كما قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم):"إنما الحلم بالتحلم وإنما العلم بالتعلم"، وحسن إدارة العواطف هي أحد أهم مهارات النجاح في الحياه.
فليتنا ندرك مشاعرنا (إدراك الذات) ثم نحاول التحكم فيها (إدارة الذات) كما أن من مهارات الذكاء الوجداني أيضًا القدرة على (تحفيز الذات)، وهل هناك حافز أعلى من أن يحبنا الله ورسوله، إذا فلنتبع الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) حتى يحبنا الله ورسوله، وأن نقول لمن نحبه في الله من أصدقائنا ذلك، وأن نقول لزوجاتنا أحبك اثنتي عشرة مرة في اليوم والليلة ، لأن من أهم القربان إدخال السرور على مسلم (أو مسلمة) ، وأن نحاول ألا نحب إلا من يحب الله ودينه، وأن نحاول الإحسان (الإتقان والرحمة) في كل شيء، وأهم جانب في الجوانب الوجدانية هو القدرة على التحكم في الغضب، وكما قال سقراط :"الحكمة أن يغضب من الشخص المناسب في الوقت المناسب بالقدرة المناسب لغرض مناسب.