بالآية الكريمة: "إن الله لا يحب المعتدين"، وبحديث النبي محمد:"المسلم من سلم الناس من لسانه ويده".. يحدد اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا قواعد عمله في 28 دولة أوروبية تضم حوالي 45 مليون مسلم بين نحو 742.5 مليون نسمة يعيشون في أوروبا، بحسب إحصاء للأمم المتحدة عام 2013.
الاتحاد، الذي أنشئ عام 1989 كنتيجة لتطور العمل الإسلامي في أوروبا بغية تنظيمه وحمايته من التشرذم، نجح في يناير 2008 في إصدار ميثاق مسلمي أوروبا، ليطمئن الأوربيين ويؤكد لهم أن الوجود الإسلامي في القارة العجوز يمثل إضافة نوعية، وثراء ثقافيًا، وليس إرهابًا ولا اعتداء، بحسب موقع الاتحاد، ومقره بروكسل، على الإنترنت.
لكن خروجًا على ذلك الميثاق، قُتل، الأسبوع الماضي، 12 شخصًا، بينهم رجل شرطة و8 صحفيين، وأصيب 11 آخرون، في هجوم استهدف مقر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة بالعاصمة الفرنسية باريس، وأعقبته هجمات أخرى أودت بحياة 5 آخرين خلال ثلاثة أيام، فضلا عن مقتل ثلاثة شباب مسلمين مشتبه بهم.
ومع 3 أيام من الرعب شهدتها فرنسا، وامتد الفزع منها إلى بقية الدول الأوروبية، تصاعدت المخاوف من هجمات عنصرية ربما يتعرض لها مسلمون في أوروبا، وتزايدت التساؤلات بشأن الأسلوب الأمثل لمواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" (العداء للإسلام)، لا سيما في ظل تكرار نشر "شارلي إيبدو" لرسوم مسيئة للنبي محمد والإسلام والمسلمين.
وفي حوار مع وكالة الأناضول، حدد رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، عبد الله بن منصور، وهو من أصل تونسي، ثلاثة سبل لمواجهة "الإسلاموفوبيا" والرسوم المسيئة، وهي المواجهة القضائية والحوار الدبلوماسي والتوعية الشعبية بحقيقة الإسلام.
بن منصور، الذي يترأس الاتحاد منذ فبراير الماضي، شدد على أن المظاهرات ودعوات المقاطعة في العالم الإسلامي لمنتجات أوروبية تضر بأكثر من 45 مليون مسلم في أوروبا، وسيدفعون ضريبتها.
وخلص إلى أن الإساءة التي سبّبها هؤلاء المهاجمون للنبي الكريم خاصة، وللإسلام عامة، وربطهما بالإرهاب، أكبر بكثير من الإساءة التي تعرض إليها الرسول والإسلام جراء نشر الرسوم المسيئة، معربًا عن توقعه بأن يدفع المسلمون ثمنًا لجرم لم يرتكبوه.
وإلى نص الحوار:
كيف ترون الهجوم الدموي على مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة ؟
حادث إجرامي قام به إرهابيون لا ندري أهدافهم ولا في أي اتجاه يسيرون، ولا بماذا يقتنعون، ولا إلى أي تنظيم ينتمون.
البعض يقول إنهم ينتمون لتنظيم القاعدة وآخرون يرددون أنهم من تنظيم "داعش"..لدينا شكوك كبيرة في ذلك، وكل ما نستطيع تأكيده هو أن الإسلام والمسلمين براءٌ من الذين نفذوا هذا الهجوم.
ولماذا دائمًا إلصاق التهمة بالمسلمين؟
تعودنا في أوروبا على توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى الإسلام والمسلمين في كل هجوم، وعندما يتأكدون أننا براء من ذلك الهجوم، يوجهون الاتهام إلى ما يسمونه بـ"الإسلام المتشدد"، وفي أحيان كثيرة يتبين أن المهاجمين ليسوا بمسلمين.
مثلا، قبل 3 أسابيع، دهس شخص عددًا من المشاة بسيارته في فرنسا، وخرج الإعلام الفرنسي وبعض رجال السياسة، ولمدة 24 ساعة، يتهمون ما يقولون إنه "الإسلام المتطرف" في هذا الحادث، ثم تبين أن السائق هو شاب فرنسي مخمور، ليس مسلمًا.
لكن بالفعل يوجد إسلاميون متشددون في أوروبا..بالفعل، هناك متطرفون مغررٌ بهم، لكن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم.. لا يمثلون الإسلام. هؤلاء عددهم قليل جدًا بين عشرات الملايين من المسلمين في أوروبا، وهم يضرون بمصالح بقية المسلمين. على مدار العشرين عامًا الماضية، لم يثبت تورط أي مسلم خرج من المساجد ولا المراكز ولا الجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي نشرف عليها، في أي خلية إرهابية.
إذن.. من هم هؤلاء المتشددون؟ ومن أين يأتون ؟
لهم أساسان، أولهما تيار سلفي متشدد يأتي من الدول العربية ويهاجم المصالح الأوروبية، والأخير هم من يسمون بـ"المسلمون الجدد" الذين كان بعضهم مجرمون ومتنطعون، ثم اعتنقوا الإسلام من أجل استغلاله واستغلال رايته في ضرب مصالح بلادهم.
هؤلاء لم يمروا على مؤسساتنا وجمعياتنا ومراكزنا الإسلامية، وهم في النهاية قلة عددية وفكرية لا تكاد تذكر، ولكن تسليط الضوء عليهم، والحديث المتكرر عنهم، يوحي بأن أعدادهم كثيرة.
وكيف يمثل هؤلاء القلة خطرًا عليكم في أوروبا؟
أعمالهم الحمقاء تؤثر علينا سلبًا.. هم يقتلون أشخاصًا يرون أن من الواجب قتلهم، وأحيانًا يكون بين ضحاياهم مسلمون. في الهجمات الإرهابية الأخيرة بباريس قُتل مسلمان اثنان.. هؤلاء المتطرفون يشوهون صورة الإسلام، وهذا خطر كبير على بقية المسلمين في أوروبا.
وهل تعرض مسلمون لأي هجمات عنصرية منذ أحداث باريس؟
نعم، تعرض 35 مسجدًا وعشرات المحجبات والكثير من المؤسسات الإسلامية في فرنسا ودول أوروبية أخرى للاعتداء.
لكن هؤلاء يقولون إنهم يدافعون عن الرسول والإسلام في مواجهة الإساءة؟
هذه دعواهم، لكن من الذي فوضهم بذلك، ومن الذي قال إن ما فعلوه هو الرد الأمثل على الرسوم المسيئة. إن الإساءة التي سببوها للرسول الكريم خاصة، وللإسلام عامة، وربطهما بالإرهاب، أكبر بكثير من الإساءة التي تعرض إليها الرسول والإسلام جراء نشر هذه الرسوم.
وما هو الرد الأمثل في رأيك على الإساءة للإسلام؟ وماذا فعلتهم أنتم كاتحاد للمنظمات الإسلامية؟
الرد الأبرز هو المسموح لنا من الناحية الشرعية والإنسانية والقانونية هنا في أوروبا، وهو اللجوء إلى المحاكم الأوروبية، وهو ما قمنا به عندما تقدمنا بدعاوى قضائية قلنا فيها إننا مع حرية الرأي والتعبير، ولكننا نرفض أن يتحول الأمر إلى السب والقذف والإهانة. وقد أنصفتنا محاكم، ولم تنصفنا أخرى، ورضينا في كل الأحوال بأحكام القضاء.
كما أن هناك سبلاً دبلوماسية نقوم بها مع المسؤولين في الدول الأوروبية، إضافةً إلى حملات التوعية التي نقوم بها بشكل مستمر لتصحيح صورة الإسلام عند الشعوب الأوروبية.
وماذا عن المظاهرات ودعوات المقاطعة التي انطلقت في العالم الإسلامي عقب نشر صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية الرسوم المسيئة للنبي محمد عام 2005؟
حينها، قلت للمسلمين إن الخروج في المظاهرات وحرق أعلام دول أوروبية ودعوات المقاطعة تضر ولا تفيد، وليس هذا هو الأسلوب الصحيح للاحتجاج. الله سبحانه وتعالى تكفل بالدفاع عن النبي حين قال: "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ" (سورة الحجر- الآية 95).
كما أن دعوات المقاطعة تضر بأكثر من 45 مليون مسلم في أوروبا وسيدفعون ضريبتها، لا سيما وأن بعض الصحف الأوروبية ركزت على حرق أعلام دولها ودعوات المقاطعة في الدول الإسلامية. ولا ننس أننا رفعنا دعوى قضائية آنذاك، ونجحنا في استصدار أحكاما لصالحنا، ورفضت العديد من الصحف الأوروبية والأمريكية إعادة نشر تلك الرسوم المسيئة، واعتبرتها تجاوزًا وتعديًا على الأديان. ولم يعد نشر الرسوم إلا صحف متطرفة قليلة تسير خلف مجموعات صهيونية متطرفة وتغذي "الإسلاموفوبيا".
لكنكم خسرتم القضية ضد صحيفة "شارلي إيبدو" حين أعادت نشر الرسوم المسيئة؟
مع اعتقادنا أن القضاء الأوروبي نزيه، إلا أنه لا يخلو من أحكام معدة سلفًا. ولو كانت تلك الرسوم مسيئة ليهود أو للديانة اليهودية لتم منعها. وليس معنى أننا خسرنا القضية، أن نوجه السلاح في وجه مرتكبي هذا التجاوز ونسفك دمائهم، فهذا لا يجوز. كما لا يجوز تعريض حياة الأبرياء وممتلكاتهم للخطر، لأن هذا من أكبر الكبائر في الإسلام.
وهل تتوقعون مزيدًا من العنف من قبل هؤلاء المتشددين؟
ما حدث في فرنسا في المقام الأول يعتبر خللا أمنيًا، وهو ما أقرت به الدوائر الرسمية في فرنسا. ونحن كمسلمين لسنا معنيين بمراقبة المجرمين والإرهابيين. وحتى إن كان هناك من يريد تكرار ما قام به هؤلاء المجرمون، فلابد من وقفة حازمة من السلطات الأوروبية عامة، والفرنسية خاصة، عبر زيادة الحذر وإجهاض أي أعمال عدائية.
أخيرًا.. هل تتخوفون من هجمات على المسلمين ؟
هذا ما يقلقنا الآن، حيث نتوقع مزيدًا من ردود الأفعال السلبية ضد المسلمين، ولكننا سنسعى مع المسؤولين في كل الدول الأوروبية للحفاظ على ممتلكات ومساجد ومراكز المسلمين. لكننا نتوقع أن يدفع المسلمون ثمنًا لجرم لم يرتكبوه.