على ما يبدو أن إقدام السعودية على إتمام المصالحة بين مصر وقطر، وسعيها بكل قوة لرأب الصدع بين البلدين كان وراءه أسباب تنبثق جميعها من سبب رئيس، وهو دعم الانقلاب العسكري في مصر، وتوطيد أركانه، واحتواء أي أزمات من شانها دعم الشرعية في مواجهة الانقلاب.
وكانت قطر هي الدولة الخليجية التي واجهت الانقلاب منذ وقوعه واحتضنت العديد من علماء وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ووثقت من خلال قناتها "الجزيرة" الانتهاكات التي قام بها سلطات الانقلاب بحق معارضي الانقلاب.
ويرجع دعم السعودية للانقلاب وسلطاته في مصر لعدة أمور، سعت من أجلها لإتمام المصالحة من أجل استتباب الوضع السياسي للانقلاب.
القضاء على "الإخوان المسلمين"
وعلى الرغم من أن دولة قطر كانت حاضنة لاعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، منذ وقوع الانقلاب العسكري، إلا أن السعودية ترى فى وجود الأخوان خطرا عليها، كما ترى باقى دول الخليج ذلك، وهو ما ذهبت إليه دراسة إسرائيلية حديثة، حيث أكدت أن السعودية ترى في "الإخوان المسلمين" وجماعات "الإسلام السني" بشكل عام تهديداً على نظام الحكم فيها، على اعتبار أن نجاح هذه الجماعة قد ينسف المسوغات الدينية التي يستند عليها نظام الحكم لتبرير وجوده.
وجاء في الدراسة الصادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي"، التابع لجامعة تل أبيب أن الموقف من جماعة الإخوان المسلمين أصبح أحد العوامل المؤثرة في علاقات الرياض الخارجية، مشيرة إلى أن الخلاف الكبير مع دولة قطر ينبع من هذه القضية على وجه الخصوص.
وأشارت الدراسة- التي نشرت في عدد 541 من مجلة "مباط عال- إلى أن السعودية تحاول صياغة مجلس التعاون الخليجي من أجل تسهيل مهمة مواجهة التحديات التي تلاقيها، والمتمثلة في خطر الإسلام السني والتحدي الإيراني.
وأضافت الدراسة: "لقد اكتشفت القيادة السعودية الهرمة أنه في غضون أعوام عدة ستجد نفسها في بيئة معادية وخطيرة تهدد استقرار نظامها، وهو ما دفعها لمحاولة إقناع الدول".
إغلاق قناة الجزيرة
ولأن السعودية ترى قناة الجزيرة داعمة لجماعة الإخوان المسلمين، تلك القناة التي تحتضنها قطر، فأرادت أن تتم المصالحة والتي أحد شروطها التي طلبت القاهرة إتمامها قبل عقد القمة، وقف بث قناة الجزيرة مباشر مصر.
وتحركت السعودية لإغلاق مكتب قناة الجزيرة بعد يوم واحد من إلزام وزارة الثقافة والإعلام السعوديين الذين يعملون ويكتبون في صحف قطرية بالتوقف، وذلك بعد قرار دول الخليج بسحب سفرائها من الدوحة، في مارس الماضي، في بيان مشترك للمحافظة على ما وصفوه بأمن واستقرار دول المجلس وبسبب عدم التزام الدوحة بمقررات تم التوافق عليها سابقا وفق بيان نشرته وكالات الأنباء الرسمية في الدول الثلاث.
من جانبها فقد زعمت وكالة الأناضول للأنباء، عن تغير لهجة قناة "الجزيرة مباشر مصر"، أن هناك تغييرا تجاه النظام المصري، والذي جاء بعد يوم من لقاء جمع قائد الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، ومبعوثا لأمير قطر فى القاهرة بمشاركة مبعوث لملك السعودية أيضا.
وبحسب الأناضول، فإن هناك تغير في لهجة نشرة القناة بتوصيف عبد الفتاح السيسى، بـ"الرئيس السيسي"، بعد أن كان يتم وصفه، عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسى مباشرة بـ"قائد الانقلاب العسكرى"، ثم عقب انتخابه اعتادت القناة على وصفه بأنه "أول رئيس منتخب بعد الانقلاب".
مغانم اقتصادية
ولإن توطيد دعائم الانقلاب وإبعاد قطر عن ما يوصف بدعم الإخوان المسلمين، كان من أهم ما تريده السعودية، لانها جلبت العديد من المغانم من وراء مساندة الانقلاب، فأرادت السعودية أن تحتوي الأزمة بين مصر وقطر، حتى لا يبقى للشرعية في مصر حليف يساندها.
وكان أحدث مغانم السعودية من وراء مساندة هذا الانقلاب هو حصولها على آلاف الأفدنة مؤخرًا في أرض توشكى، حيث أعلنت الشركة الوطنية للتنمية الزراعية السعودية "نادك"، أنها تلقت بلاغًا من محاميها عن صدور الموافقة الأولية من قبل لجنة بوزارة الزراعة في حكومة الانقلاب على تخصيص أرض مساحتها 75 ألف فدان بمنطقة توشكا، وذلك لاستغلالها في الاستثمار الزراعي، فضلا عن أن "ناداك" وقعت مذكرة تفاهم في ديسمبر 2013 مع وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب لاستثمار 70 ألف فدان بمشروع توشكى، وإقامة مزرعة للإنتاج الحيواني عليها تبلغ 200 ألف رأس لإنتاج الألبان.
وكان الحصاد الأكبر هو فوز تحالف دار الهندسة السعودي بمشروع "تطوير محور قناة السويس"؛ حيث أعلن رئيس هيئة قناة السويس الانقلابي أن تحالف دار الهندسة السعودي حصل على أعلى تقييم بين الشركات المتنافسة وصل إلى 86%، ليتفوق على عدد من التحالفات العالمية أبرزها تحالف الإدارة العامة للاستشارات الهندسية بشركة المقاولون العرب.
أيضا زادت أيضًا حجم الاستثمارات السعودية في مصر بعد الانقلاب العسكري على 25 مليار جنيه، فبحسب جهاز الإحصاء المصري بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية إلى السعودية بالعام الماضي مليارا و971 مليون دولار، فيما بلغت قيمة الواردات لمصر من السعودية بالعام نفسه 3 مليارات دولار و37 مليون دولار، لتحقق السعودية فائضا في تجارتها مع مصر خلال العام بنحو مليار دولار و66 مليون دولار.
عودة عقارب الساعة للوراء
منذ وقوع الانقلاب العسكري بمصر، وأظهرت السعودية والإمارات والكويت، دعمها بكل ما أوتيت قوة لمساندة الانقلابيين، مؤكدين على موقفهم الثابت من "دعم مصر وبرنامج قائد انقلابها عبد الفتاح السيسى المتمثل فيما وصفوه بـ"خارطة الطريق"، مؤكدين "وقوفهم التام مع مصر حكومة وشعبا فى كل ما يحقق استقرارها وازدهارها".
وتخشى السعودية من وقوع أي تطورات جديدة في المنطقة قد يكون لها مردود على أمنها القومي، وقد ظهر ذلك جليا في موقفها من الثورات العربية، خاصة يناير، حيث تأرجح رد الفعل الخليجي على الأخيرة بشدة بين دعم مصر الثورة، وإنقاذ الرئيس السابق من المحاكمة.
وبحسب مؤرخون، فإن الافتراض الدائم هو أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن العربي، وإقرار الأمن في الخليج يتطلب إقراره في المناطق المتاخمة له كالمشرق العربي ومصر، أي أن أمن مصر مرتبط ارتباطا وثيقا بأمن الخليج.
من ناحية الأخرى، فإن استتاب الوضع في مصر للثوار، يجعل السعودية ليست بعيدة عن "الربيع العربي"، ولأول وهلة، اتخذت موقفا متحفظا متمثلا في اعتبار المشكلة داخلية، مع الإعراب عن الأمل في حل الأزمة سلميا، وحث الولايات المتحدة – وفق بعض التقارير – على عدم التخلي عن الرئيس السابق مبارك، ووصل الأمر إلى اقتراح تعويض مصر عن المعونة الأمريكية، إذا لزم الأمر.