إن جماعة الاخوان في رأيي لا تنجح إلا في ثلاث، أولها تربية المجتمع ليكون صحابيًا نبويًا من الدرجة الأولى، فأقل فرد فيهم عنده من معاني الحب والاخاء والتكافل والتعاون والروحانيات والتزاور ما يستطيع أن يفيض به على أمة ويفيض.
ثانيها: النهضة والتنمية الحضارية، فكوادرها التكنوقراطية والعلمية والمهنية تكفيها القيام بدولة وإن كبرت وتفانيهم في العمل وإخلاصهم ونزاهتهم المالية يجعل انتاجيتهم في هذا الإطار أكبر وأسرع من التجربة الماليزية نفسها.
ثالثها: التعامل المسلح مع المحتل، تجربة الإخوان مع الاحتلال تجربة فريدة ونوعية، ولم يسبق أن تكررت في تاريخ الأمة بالعصر الحديث، إذا حمل الإخوان السلاح في وجه محتل فلا يتقن ذلك مثلهم أحد، فحماس نشأتها جاءت في وقت كان المحتل مسيطر على غزة والضفة وعلى كل بيت فيها بشكل يستحيل معه حدوث هذا، وكانت السلطة مسيطرة تماما على غزة والضفة كذلك، ومع ذلك كله استطاعت حماس أن تنبت وتترعرع ورغم وقوف العالم كله بقوته الجمعاء لوأدها فإنه لم ينجح، واستطاعت الآن أن تهدد تل ابيب بصواريخها، إضافة إلى جهازها المخابراتي الذي أشاد به أوغلو بنفسه في مؤتمر صحفي.
وكذلك نفس الشأن في كتائب الإخوان ضد الانجليز، وعند التحاق تنظيم الاخوان لجيش تحرير البوسنة ولما علم العدو معنى وجود الإخوان كفصيل مسلح، فما كان منه إلا أن بادر باتفاقية دايتون حينها لوقف إطلاق النار وانتصرت البوسنة، وقال حينها علي عزت بيجوفيتش كلمته الشهيرة أن لولا الأخوان لما تحررت البوسنة.
والسؤال الآن لماذا يتقن الإخوان هذه السمات الثلاث؟ لأن الإخوان تنظيم غير قابل أبدا للانضغاط ولا التمدد، مهما شردت وقتلت وعذبت واشتدت المحنة عليهم فلا يعبأ لها الإخوان، ولن تؤثر على التنظيم بإرجاعهم للخلف معنويا أو منهجيا، وكذلك مهما تغيرت الظروف المحيطة أو الاجواء السياسية ومساحات الصراع لتضغط على الجماعة لتغير من طريقتها ومنهجيتها لتتمدد مع الواقع الجديد، وبناءً على اليات جديدة ونوعية متطورة فلن تستطيع ولن تتمدد ولن تتغير.
وعلى ذلك فإن الشيء الذي لا تتقنه الجماعة ولا تعرفه هو المراوغة والمناورة، والفوت في الأماكن الضيقة والصراعات الخفية وسرعة التحول والتوجه لما هو جديد، إن أردت تشبيه الامر بفريق كرة القدم فاضمن أن مرمى الأمة لن يدخل فيه هدف طالما الإخوان حماته ومصطفة رجالها في خط الدفاع وخط الوسط على أقصى تقدير.
أما ذلك الكيان نحيل الجسم الذي يناور ويضرب هذا بذاك "ويرقّص" ويتظاهر بالإصابة في خط ال 18 ليحصل على ضربة الجزاء مكرًا منه ودهاءً، ويخدع الحكام والخصم كذلك ليحرز هدفًا مفاجىء في مرمى الخصم فهو كيان يختلف في التركيب والتكوين عن الإخوان كتنظيم، وإن اشترك معهم في الهدف والمنهج، ولكن إمكانياته تغاير الجماعة في آلية التحرك والأداء.
الخلاصة، أن الحركة الإسلامية كأقوى السبائك المعدنية على الإطلاق يجب أن يكون بها العنصران النحاس والحديد متداخلة الجزيئات والتكوين ولكنهما عنصران، الإخوان يمثلون عنصرًا واحدا فقط، والحركة بمجملها في انتظار العنصر الثاني، وأراه حازم صلاح أبو إسماعيل ، وأراه التداخل بين العنصرين تحت نار الانقلاب يصهران العنصرين أيما انصهار، بحيث تتداخل جزيئاته ليكونا سبيكة القوة والحكم والتمكين إن شاء الله.