-1-
عزيزي محمود سعد .. جمعتنا الأقدار .. وفرقتنا الأفكار .. كان من قدري أن ألتحق بك في مجال الإعلام، وكان من قدرك أن تلحق بي في المحاكمات العسكرية
لكن المفارقة العجيبة يا سيدي أن ألتحق بالإعلام لأكشف كذب وزيف ما تقول باختياري.. و أن تلتحق أنت بي مجبرًا لتكتشف صدق ما سأكتبه لك.. فعليك بأن تقرأ وتتمعن، فكل حرف في هذه الرساله سيمثل لك أهمية بالغة.
-2-
عليك أن تعلم يا عزيزي أولًا، أنه يجب أن تُهيئ نفسك لإهانة لم تتعرض لها من قبل.. فمثلك لم يكن ليقف يوما بين يدي محقق وهو معصوب العينين، ومكبل اليدين ليسأله عن أي شيئ وكل شيئ.
فإذا كانت الإجابة بـ "لا اعرف" فقد يتفاجأ بضربة، لا يدري ممن ستأتيه، ولا على أي مكان في جسده ستقع، ولكن ما سيعلمه فقط أن لهذه اللكمة أثر بالغ على كل كيانك "نفسياً وجسديًا".
-3-
قد تتعلم في هذه التجربة، أن هناك إستخدام آخر للكهرباء غير تشغيل الكاميرات، أو إنارة إضاءة الاستديو، التي طالما اعترضت عليها أو أمرت بتعديلها.. هناك استخدام آخر للكهرباء ستتعرف عليه في هذه الأوقات القليلة القادمة، وهذا سأتركه للتجربة الذاتية لتحكي لك عنه.
لكن دعني أقول لك بأنك ستتذكر هذا الأمر، كلما هممت بالضغط على زر الكهرباء في غرفتك الفارهة، إن أعادوك إليها يومًا.
-4-
تذكر هذين المصطلحين جيدًا.. "سين 28"، "سين 30".. فهناك يتم مالم تراه أو حتى تسمع به من قبل للساده المواطنين من أبناء "الشعب المصري العظيم".
-5-
قد تقضي أياما في زنزانة عزل إنفرادي حالكة الظلام، لا تعرف فيها الليل من النهار أو حتى الأيام، بل أقول لك أيضًا إنك إذا أخرجت يديك لم تكد تراها.. ساعتها فقط تستطيع أن تتخلى عن نظارتك الجميلة، إن لم تكن قد تحطمت من قبل تحت قدمي المحقق..!
-6-
إياك ثم إياك ثم إياك أن تسأل عن شيئ.. أي شيئ.. عليك أن تعلم أنك هنا لتُسأل وفقط.. لست هنا في "آخر النهار".. بل قل أنك في "آخر الليل"، حيث أشد الأوقات في اليوم كله ظُلمة وظلما.. ستتمنى أن تكون في "آخر الحياة"، ولكن لن تنال ما تتمنى.
-7-
دعك من كل ما سبق ومن كل الحاصل معك وحتى من كل ما سيأتي، دعني فقط أرسل معك رسالة للمحقق وثانية "للحمصي"، صديقي في الأسر، وأخرى لجدران الزنزانة.
قل للمحقق.. أنت الأضعف.
وقل لإسلام الحمصي.. أنت الحر.
وقل لجدران الزنزانة.. أنتِ الأقسى.
-8-
أعلم بل أوقن بأنك ستتجنب كل الذي ذكرته لك في هذه الرسالة.. هل تعلم لماذا؟ لأنك ستبيع.. نعم، ستبيع كرامتك لتشتري سلامتك.. وستبيع العزة لتشتري المذلة.. وستبيع حريتك لتستبدلها بخضوع فوق خضوعك، وتبعية فوق تبعيتك.
ويكفيك لإتمام الصفقة قُبلة على يد المحقق أو حتى على حذائه، ثم تتبعها بكتابة تعهدٍ تُقسم فيه أنك لن تقترب فيما بعد من الذات العسكرية، وأنك ما كنت تقصد الإساءة أو حتى التلميح بالإساءة.
-9-
دعني في النهاية أطمئنك.. لن تلقى نفس مصيري.. أنت تستجديهم لتنال بعض حقوقك.. أما نحن فلا.. إما أن ننتزعها كاملة أو "نموت" دون ذلك.. ليس لدينا خيار ثالث، هكذا السائرون على درب الحرية!.
*كاتب هذا المقال اعتقل لمدة ستة أشهر، على ذمة قضية تسريبات رصد، وقضت المحكمة ببراءته في شهر إبريل الماضي.