تساءل الكاتب الصحفي "وائل قنديل" رئيس تحريرجريدة "العربي الجديد"، ماذا سيقول محمود عباس، لو أن المواجهات المشتعلة في الضفة الغربية بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الصهيوني تطورت إلى معركة شاملة على غرار العدوان الإسرائيلي على غزة؟ هل سيحمّل المتظاهرين الفلسطينيين المسؤولية، ويعتبرهم من المتاجرين بالدماء، لمجرد أنهم قرروا مقاومة غطرسة المستعمر الإسرائيلي؟
وفي مقالة له نشرت بصحيفة العربي الجديدة تحت عنوان:"تحضير عفريت أبومازن في القاهرة" أكمل "قنديل" تساؤلاته: هل سوف يتساءل أبو مازن مجدداً: "ما هي الحصيلة، ماذا فعلت المقاومة"، ثم يتماهى مع التبريرات الصادرة من حكومة بنيامين نتنياهو؟، مشيراً إلى أن مشكلة محمود عباس الحقيقية أنه لا يرى أبعد من مقره الرئاسي في رام الله، ولا يحلم بأكثر من السلطة، ولا يؤمن بأعمق من تلمود أوسلو المقدّس، لديه وحده، والذي تذوّق من خلاله طعم السلطة، وانتشى لرائحة التسلّط والتنقّل بين العواصم مسبوقاً بلقب "الرئيس"، حتى وإن كانت رئاسة منزوعة الدسم، لا تعدو كونها منحةً، أو هبة من المحتل، لمَن يصطفي من ملوك الاحتضار والفرار من حقائق التاريخ والانسلاخ من الذاكرة القومية. أنظر لوجه عباس، إذ تجتاحه علامات السرور والحبور، وهو يصافح قيادات العدو الإسرائيلي، وقارِن بين عبوسه وتبرّمه وتأفّفه من رموز المقاومة الفلسطينية.
وأضاف "قنديل" قائلاً:"يعتنق الرجل، إذن، عقيدة واحدة "ليفنى العالم وتبقى السلطة في يدي"، فإذا مال العالم مع المقاومة مضطراً صاغراً، فهو مع المقاومة، وإذا أعلن العالم حرباً على "الإرهاب"، فإلى الجحيم بالمقاومة، المهم أن يبقى اللقب، "الرئيس"، والطائرة الرئاسية، وما تبقى من عطايا أوسلو المسمومة. مفاتيح شخصية عباس يعرفها جنرالات الانقلابات والثورات المضادة، يحفظون نقاط ضعفه، ويدركون من أين ينفذون إليه، وكيف يحرّكونه، حيثما ووقتما وكيفما أرادوا، يفهمون أن شيئاً لا يهم الرجل، قدر احتفاظه بالسلطة، منها وبها يبتزّونه ويديرونه".
واستدرك "قنديل" قائلاً:" ولذا، خرج من لقائه برئيس مصر الانقلابية، ليطلق قذائفه على المقاومة، ويضع اتفاق التهدئة في مهبّ الريح.. كلمة السر هي "دحلان"، يلاعبه بها الصهاينة، وتلعب بها معه سلطة الانقلاب في مصر، فكلما نسي دوره المطلوب، كرئيس لسلطة رام الله فقط، وتجاوز الحدود مُظهراً شيئاً من المسؤولية عن قطاع غزة، أظهروا له العفريت، وكلما اقترب من المقاومة والمصالحة، قليلاً، أخرجوا له فزاعة دحلان، فينقلب على عقبيه، ليهاجم المقاومة بشراسة، ويلعن المصالحة برباطة جأش. يظلّ عباس إيجابياً مع مقاومة شعبه، إلى أن تحمله الطائرة إلى القاهرة، فيصبح عباساً آخر، "أوسلوياً" بامتياز، يردّد ما يرضي مَن يديرون المشهد، وينقلب على كل شيء، ولعلّ هذا ما يفسّر تخبّطه الواضح في مواقفه من عدوان التسعة أسابيع على غزة، والتناقض البيِّن في تصريحاته، ضد المقاومة تلميحاً، ثم معها بقوّة، ثم ضدها تصريحاً، ثم معها بهدوء، ثم ضدها على نحو عاصف".
ومضى "قنديل" في مقالته قائلاً:" في مفاوضات التهدئة بالقاهرة، بدا من سير الأحداث، أن ممثلي فصائل المقاومة كانوا يخوضون معركة المفاوضات ضد ثلاثة أطراف، العدو الصهيوني، وصديقه وحليفه الانقلابي، ورهين الاثنين معاً، عباس، الواقع بين طرفي كماشة الاحتلال والانقلاب. وبالعودة إلى السؤال أعلاه: لو تفجّرت أراضي الضفة بانتفاضة فلسطينية شاملة، ماذا سيكون موقف عباس؟ هل سيعتبرها حالة شغب، أم انقلاباً شعبياً على سلطته الممنوحة".