حصلت صحيفة "عربي21" على وثيقة تؤكد إن السلطة الفلسطينية عطلت فتح تحقيق بالمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، بسبب رفض وزير الخارجية رياض المالكي تبني دعوى تقدم بها وزير العدل الفلسطيني للمحكمة للتحقيق بجرائم الاحتلال في عدوانه الأخير على قطاع غزة.
فقد وجهت مدعي عام المحكمة الجنائية السيدة "فاتو بنسوده" رسالة رسمية لمكتب قانوني فرنسي مكلف من وزير العدل سليم السقا والمدعي العام بغزة إسماعيل جبر برفع دعوى في الجنائية ضد إسرائيل، قالت فيها إنها لن تتمكن من فتح تحقيق في الاتهامات الموجهة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، بناء على المادة 12/3 من إعلان روما المنظم لأعمال المحكمة الجنائية.
وأشارت المدعي العام في الرسالة التي تنشر "عربي21" نسخة منها إلى أن المادة 12/3 تخول السلطة الفلسطينية طلب الانضمام لإعلان روما وتقديم إقرار للمحكمة الجنائية بفتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبت أثناء العدوان الأخير على غزة، لأن السلطة أصبحت تمتلك صفة الدولة، بعد موافقة الجمعية اعامة للأمم المتحدة على منح فلسطين وضع "دولة غير عضو" في نوفمبر عام 2012.
ولكن المدعي العام تقول في الرسالة المشار إليها إن إجراءات الانضمام لإعلان روما وإقرار فتح تحقيق لا يمكن أن يتم إلا بتفويض من رئيس فلسطين أو رئيس وزرائه أو وزير خارجيته أو أي شخص مخول من الحكومة الفلسطينية، وأكدت إنها سألت وزير خارجية السلطة رياض المالكي في اجتماعها معه بالخامس عشر من آب/أغسطس 2014 إن كانت الدعوى التي قدمها وزير العدل تمثل السلطة، ولكنها لم تتلق "ردا إيجابيا" منه، ما يعني أنها غير مخولة في هذه الحالة بفتح تحقيق مع إسرائيل بسبب عدم وجود دعوى رسمية من السلطة بهذا الخصوص.
وكانت السلطة الفلسطينية قد تعرضت لنقد شديد من مراقبين وقانونيين بسبب امتناعها عن الانضمام لإعلان روما، وتقديم إقرار للمدعي العام للجنائية بفتح تحقيق في جرائم الاحتلال في قطاع غزة، على الرغم من امتلاكها للحق القانوني لتقديم هذا الإقرار، ما فسر لدى مراقبين بخضوع السلطة لضغوط أمريكية وإسرائيلية لمنعها من اتخاذ هذا القرار.
ولم تقتصر الانتقادات للرئيس عباس على معارضي السلطة الفلسطينية فقط، بل إن مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات وجه لوما شديدا لعباس بسبب عدم انضمامه لإعلان روما والتوجه للجنائية الدولية، حيث قال في تسجيل صوتي مسرب، إن عباس يرفض التوقيع على الانضمام للمؤسسات الدولية بسبب التزامه لإسرائيل والولايات المتحدة بعدم القيام بذلك، مضيفا إنه قال لأبو مازن أنه يستطيع من خلال التوقيع على الانضمام لهذه المؤسسات أن يمنع نتنياهو من السفر خارج تل أبيب واعتباره "مجرم حرب"، ولكن أبو مازن رفض ذلك.
ومن الجدير بالذكر، إن السلطة قالت أنها تخشى من أن يؤدي فتح تحقيق بالجنائية حول العدوان الأخير على غزة إلى طلب التحقيق مع مسؤولين في السلطة أو قيادات في فصائل المقاومة، باتهامات تتعلق بارتكاب المقاومة الفلسطينية "لجرائم حرب" أثناء العدوان، ولذلك فقد أكد الرئيس عباس أنه لن يتخذ هذه الخطوة إلا إذا وقعت حركة حماس على مذكرة توافق فيها على المضي قدما بها، وهو الأمر الذي حدث فعلا من خلال توقيع نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق على مذكرة بهذا الشأن أثناء العدوان على غزة.
وعلى صعيد ذي صلة، كان ممثل السلطة الفلسطينية في جنيف ابراهيم خريشة قد أثار ضجة كبيرة أثناء العدوان على غزة، بعد أن قال في حديث للتلفزيون الفلسطيني أنه ينصح بعدم تقديم دعوى للجنائية الدولية لأن "كل صاروخ يطلق من غزة باتجاه إسرائيل هو جريمة ضد الإنسانية سواء أصاب أو لم يصب"، وبالتالي فإن التوجه للجنائية الدولية يتطلب إجماعا فلسطينيا من كل الفصائل.
ولكن السلطة لم تمض قدما بهذا الإجراء على الرغم من حصولها على موافقة خطية من حركة حماس، وهي الطرف المعني أكثر من غيره من الفصائل بتداعيات التحقيق في العدوان الأخير على قطاع غزة في الجنائية الدولية، باعتبارها الطرف المسؤول عن القطاع والطرف الأكثر مشاركة في المقاومة أثناء العدوان.
ويرى مراقبون إن الرئيس عباس يتجنب التوجه للجنائية الدولية لسببين ليس فقط بسبب خضوعه للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، ولكن لاستخدام هذه الورقة في مساومة الولايات المتحدة وإسرائيل للحصول على إنجاز سياسي في المفاوضات، وهو الأمر الذي بات مؤكدا بعد أن كلف عباس صائب عريقات بتقديم مبادرته السياسية الجديدة للرئيس أوباما، والتي تتضمن لجوء السلطة لمحكمة الجنايات في حال فشل الفلسطينيين بالحصول على دولة مستقلة بحدود 1967 خلال ثلاث سنوات.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي الفلسطيني المعروف هاني المصري في مقال بعنوان "مبادرة الرئيس ومحكمة الجنايات" إن عدم الجرأة على الانضمام إلى محكمة الجنايات، ووقف التنسيق الأمني، وإعادة النظر في دور السلطة وشكلها ووظائفها والتزاماتها، ووضع الثقل اللازم لدعم المقاومة والمقاطعة، وإنجاز وحدة وطنيّة حقيقيّة؛ يعود إلى الضغوط والتهديدات الأميركيّة والإسرائيليّة بممارسة عقوبات سياسيّة وماليّة وغيرها، ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار السلطة وفقدان أفراد وشرائح لنفوذها ومصالحها، متذرعة برواتب الموظفين التي يمكن إيجاد بدائل لدفعها من مصادر فلسطينيّة وعربيّة ودوليّة إذا اعتمدوا على مقاربة جديدة تكسر قيود أوسلو"، مضيفا إن "من يريد الحريّة عليه أن يستعد لدفع ثمنها".
ومن ناحية قانونية، فإن تأخر الرئيس في الانضمام لإعلان روما وربطه بفشل مبادرته السياسية الجديدة، يعني أن إسرائيل قد تستطيع التفلت من الالتزامات القانونية الدولية، من خلال إعلانها أنها بدأت بإجراء تحقيقات ذاتية في انتهاكات حصلت أثناء العدوان على غزة.
وقد بدأت الحكومة الإسرائيلية فعلا بفتح تحقيق داخلي في خمس قضايا حسب صحيفة نيويورك تايمز، وأهمها مقتل 16 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على إحدى مدارس الأمم المتحدة في يبت حانون بتاريخ 24 تموز/ يوليو الماضي، وقتل 4 أطفال فلسطينيين أثناء لعبهم على شاطئ غزة في السادس عشر من تموز/ يوليو الماضي.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تمتنع فيها السلطة الفلسطينية عن اللجوء لمؤسسات دولية ضد إسرائيل بسبب خضوعها لضغوط أمريكة وإسرائيلية، بل إنها مارست نفس النهج في عدة مناسبات، كان أهمها مطالبتها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المنعقد في الثاني من تشرين ثان/ أكتوبر 2009 بتأجيل نقاش تقرير غولدستون الذي يدين إسرائيل بسبب ارتكابها لجرائم حرب أثناء العدوان على غزة في عامي 2008/ 2009، ما أثار نقدا وجدلا كبيرا حول قرار السلطة الذي اعتبر تخليا منها عن ملاحقة إسرائيل قانونيا في المؤسسات الدولية.
وفيما يلي النص الكامل لترجمة الرسالة:
السادة غيلي ديفير وشركاهم
ليون
فرنسا
عبر الإيميل
التاريخ: 14 أغسطس 2014
عزيزي السيد ديفير
أكتب إليك بالإشارة إلى الوثائق التي قدمتها لمكتبي يوم 25 يوليو ويوم 30 يوليو 2014 على الترتيب بالنيابة عن موكليك السيد وزير العدل في فلسطين، صاحب السعادة سليم السقا، والمدعي العام في محكمة العدل بقطاع غزة السيد إسماعيل جبر.
وكانت الوثائق المؤرخة في الخامس والعشرين من يوليو 2014 قد قدمت بموجب المادة 15 (1) من إعلان روما (“الإعلان”)، بينما سعت الوثيقة المؤرخة في الثلاثين من يوليو 2014 إلى قبول تفويض المحكمة الجنائية الدولية (“المحكمة”) بموجب المادة 12 (3) من الإعلان. فيما يتعلق بهذا الخطاب الوثيقة، يرجى ملاحظة ما يلي:
بحسب نص المادة 12 من الإعلان، فإن الدول بإمكانها منح التفويض للمحكمة من خلال انضمامها إلى الإعلان بحيث تصبح طرفاً فيه (المادة 12 (1) ) أو من خلال التقدم بطلب بهذا الخصوص لإعلان الإقرار بصلاحيات المحكمة (المادة 12 (3) ). ليس لدي شك بأنك على علم بأن سلفي المدعي العام السابق السيد لويس مورينو أوكامبو كان قد أصدر قراراً بتاريخ 3 إبريل 2012 بخصوص الطلب الذي تقدمت به حكومة فلسطين يوم 22 يناير 2009، والذي خلص فيه إلى أنه لم يتم استوفاء الشروط المطلوبة من أجل ممارسة الصلاحيات بموجب المادة 12 من الإعلان. وبعد أن تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار 67/19 يوم 29 نوفمبر 2012، والذي غيرت فيه وضع فلسطين في الإمم المتحدة إلى دولة مراقب غير عضو، أوضحت حينها بأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن ذا أثر رجعي على الطلب المقدم بهذا الشأن لدى المحكمة، وهو بذلك لم يحل مشكلة عدم الصلاحية القانونية للطلب الذي قدم عام 2009. والسبب في ذلك أنه حينما قدم الطلب (أي في عام 2009)، كان وضع فلسطين في الأمم المتحدة، وهو “كيان مراقب”، يعني أنها لم تكن مؤهلة لقبول صلاحيات المحكمة من خلال التصديق على إعلان روما أو من خلال التقدم بطلب إقرار بموجب أحكام المادة 12 (3). ولكن بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للقرار 67/19، أصبح بإمكان فلسطين تفعيل تفويض المحكمة إما من خلال الانضمام إلى الإعلان أو من خلال التقدم بطلب جديد لدى مسجل المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة 12 (3) يقر فيه بتفويض المحكمة بممارسة صلاحياتها.
وبناء عليه، وبموجب المادة 7 من اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات، فإن رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية فقط دون غيرهم يحق لهم تمثيل الدولة انطلاقاً من وظائفهم، ودون الحاجة إلى إبراز إثبات بالصلاحيات التامة في التعبير عن إقرار الدولة بالانضواء في معاهدة ما. أما غير ذلك من الأشخاص فيمكن أن يعتبروا ممثلين للدولة لهذه الأغراض فقط إذا ما أبرزوا ما يثبت الصلاحيات التامة، أو أن يبدو من ممارسة الدولة المعنية أو من مجمل الظروف الأخرى أن نية الدولة معقودة على اعتبار ذلك الشخص ممثلاً للدولة لهذه الأغراض وعلى تخويله بالصلاحيات الكاملة.
في الخامس من أغسطس 2014، التقيت بوزير الشؤون الخارجية في فلسطين، سعادة السيد رياض المالكي، حيث قدمت له توضيحات طلبها بشأن الآليات المختلفة التي يمكن من خلالها لدولة أن تعبر عن قبولها بصلاحيات المحكمة الجنائية الدولية وبشكل أعم بشأن الإطار القانوني لإعلان روما. سعيت خلال ذلك الاجتماع التأكد مما إذا كان خطابكم المؤرخ في الثلاثين من يوليو 2014 قد قدم نيابة عن السلطة الفلسطينية، إلا أنني لم أتلق أي تأكيد إيجابي. وبناء عليه، لا يوجد لدى مكتبي أي أساس قانوني يمكنه من اعتبار أو معاملة خطاب الثلاثين من يوليو 2014 على أنه صادر عن ممثل لفلسطين حاصل على التفويض المطلوب الذي يؤهله للتقدم بطلب إقرار بصلاحيات المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة 12 (3) من الإعلان.
ولهذه الأسباب، وبموجب الممارسة المتعارف عليها في مكتبي، فإن خطاب الثلاثين من يوليو 2014 سيعامل على أنه مراسلة ذات علاقة بالمادة 15 من الإعلان وليس على أنه طلب بالإقرار بالتفويض بموجب المادة 12 (3).
ويسعد مكتبي أن يستمر في المساعدة وتقديم أي توضيحات إضافية قد تحتاجونها بشأن هذه القضايا
المخلصة
فاتو بنسوده
المدعي العام
نسخة إلى وزير الشؤون الخارجية في فلسطين سعادة السيد رياض المالكي
المصدر:
http://arabi21.com/Story/775037