فقط في زمن الانقلاب العسكري، تشهد مصر محاولات من مؤيدي الانقلاب، لحجب مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، وذلك لتحريض النشطاء والمستخدمين ضد سلطاته، على صفحاتهم الشخصية، وتناقلهم من خلاله أخبار المواقع الإلكترونية المؤيدة للشرعية، الأمر الذي يضيع جهود السلطات المغتصبة للحكم في تقييد وسائل الإعلام والسيطرة عليها لصالحه ومنعها من بث أو نشر أي أخبار تكشف الحقائق أمام المواطنين.
وتقدم المحامي محمد حامد سالم، المؤيد للانقلاب العسكري، بدعوى قضائية تطالب بحجب مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، معتبرًا أنهما المستخدم الأول للتحريض ضد ميليشيات الجيش والشرطة الانقلابية.
وزعم حامد سالم، المحامي المعروف بالدفاع عن ضباط شرطة من المتهمين بارتكاب جرائم إطلاق الرصاص على المتظاهرين في ثورة 25 يناير، في الدعوى التي حملت رقم 79798 لسنة 68 قضائية، أن أجهزة الاستخبارات الخارجية استخدمت مواقع التواصل قبل ثورة 25 يناير وحتى الآن، في إشعال التظاهرات والتحريض على أعمال العنف والقتل وإشعال النيران في الممتلكات العامة والخاصة داخل مصر.
وقال المحامي في دعواه على أن تلك مواقع التواصل بدون ترخيص، وأصبحت حالياً منبراً للشائعات حيث إنه لا توجد رقابة عليها، بغرض التحقق من شخصيات ناشري تلك الشائعات، وكذلك كونها وسيلة للاستغلال من قبل العناصر المجهولة لإنشاء حسابات مزيفة ووهمية، بغرض نشر الشائعات والنصب على المواطنين والتحريض والتخطيط للأحداث الإرهابية بالبلاد.
ولم يكن تحريك دعوى قضائية هو أول خطوات الانقلاب لتقييد وتقليم أظافر مستخدمو "فيس بوك"، إذ سبقها محاولة يائسة من دار الإفتاء المصرية لكنها فشلت.
وطالبت دار الإفتاء بوضع ميثاق شرف لأخلاقيات وضوابط استخدام مواقع التواصل بعد أن بات من المستحيل حظر استخدامها في عالم أصبح كالقرية الصغيرة.
وأكد التقرير الذي أصدرته دار الإفتاء أنها قد أصدرت العديد من الفتاوي تصدت فيها للمخاطر التي تنشأ عن الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، والتي كان أبرزها فتوى بأن 'نشر الشائعات والتنابز بالألقاب البذيئة والتفحش والحث علي صون اللسان، ونشر الشائعات والفضائح المحرمة شرعًا.
على إثر ذلك اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود فعال غاضبة ردًا على دعوة دار الإفتاء، إذ طالبوها بقول الحق أولًا فيما يخص السطو المسلح من السلطات الحالية على شرعية الرئيس محمد مرسي، وقتل الآلاف بدم بادر في الشواعر والطرقات، قبل التطرق لأمور الفيس بوك وتويتر.
وكان اللواء عبدالفتاح عثمان، مساعد وزير الداخلية الانقلابي للعلاقات العامة والإعلان، أكد في وقت سابق أن الوزارة اتخذت قراراً بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي «فيس بوك وتويتر» بدعوى تعقب الإرهابيين والبحث عمن يصنعون المتفجرات لاستهداف عناصر الجيش والشرطة والممتلكات العامة والخاصة.
وقال «عثمان»: «إن وزارة الداخلية تهدف من هذه المراقبة لاصطياد من يقومون بتصنيع التفجيرات التي تستهدف الأبرياء، ولا تسعى للتدخل في خصوصية أي أحد».
وعن حرية الصحافة بشكل عام قال الكاتب الصحفي محمد القدوسي إنه خلال حكم الرئيس محمد مرسي لم تكن الصحافة في أوج حريتها، لكنها كانت تتجه نحو الديمقراطية، في مقابل الاتجاه الآن نحو مزيد من الدكتاتورية، بحسب قوله.
وأوضح أنه منذ الانقلاب الذي نفذه الجيش بقيادة عبدالفتاح السيسي، قتل 11 صحفيا واعتقل نحو 80 آخرين، بينما أصيب أكثر من مائة صحفي وأغلقت 12 قناة فضائية، وعدد من المراكز الإعلامية والصحفية، ومُنع صحفيون من العمل، ومنع آخرون من كتابة مقالاتهم ومن بينهم من صنعوا وشاركوا في انقلاب 30 يونيو.
واعتبر القدوسي أن ما تتعرض له الصحافة والصحفيون في مصر "سياسة منهجية"، وهو التوصيف الذي ذكرته عدد من الهيئات والمنظمات المعنية بحرية الصحافة والحريات في العالم، معتبرة أن النظام والسلطات المصرية الحالية تسعى لإخافة كل الصحفيين وعرقلة نشر الأخبار بشكل مستقل.
واستشهد ببيان لمنظمة العفو الدولية قالت فيه إن مصر تشهد انتكاسة كبرى لحرية الصحافة، ووصفت الصحفيين بأنهم "سجناء رأي".
كما أورد تصريحات جاءت على لسان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ انتقد فيها تدهور حرية الصحافة في مصر، وقال إن حرية وسائل الإعلام التي كانت محدودة تدهورت أكثر بعد 3 يوليو الماضي.
وقارن القدوسي بين حجم الاعتداءات التي وقعت على الصحافة والصحفيين ووسائل الإعلام بشكل عام أثناء حكم مرسي، وبين تلك التي وقعت منذ الانقلاب عليه، مؤكدا الفجوة الكبرى بين الفترتين والتي جاءت المقارنة فيها لصالح العام الذي قضاه مرسي في السلطة.
وعن محاولات حجب مواقع التواصل الاجتماعي، رد عدد كبير من المستخدمين، مؤكدين أنه ليس في وسع الحكومة الانقلابية حجبها، معتبرين أنها لا تمتلك من الإمكانيات إلا ما يمكنها من البطش بالسلميين والثوار في الشارع، أما التعامل مع العالم الإلكتروني فهو ليس من بين مقوماتها.
وسخر الدكتور محمود عرفة، أستاذ الإدارة بجامعة عين شمس، من محاولات الانقلاب وأذنابه لحجب مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن نظام المخلوع حسني مبارك القديم الجديد لا يدرك أن العصر لم يعد يسمح له باتباع نفس الأدوات القديمة في القمع والحجب والتقييد.