إنني أقر وأعترف بأن التدوين والكتابة الموثقة بالمعلومات الدقيقة، لاسيما للأحداث والوقائع هي من أصعب الأمور حتى على الكتاب المحترفين؛ لأن الأمة العربية هي أمة السند والرواية الموثقة والمعلومة المؤكدة، وأذكر حينما كنت أكتب كتابي عن «معركة الفلوجة» أنني قضيت عامين في كتابته لأني لم أكتف بما شاهدته، وإنما كنت أراجع زملائي الذين رافقوني في الأحداث.
وأعود لأستوثق من أهل المدينة الذين أعرفهم كما أنني حرصت على جمع أكبر قدر من المعلومات من عشرات المصادر العربية والغربية وشهود الطرف الآخر من الجنود الأميركان حتى أستكمل الصورة، ومن صعوبة ما عانيته، كنت أدعو الله أن يطيل في عمري حتى أكمل الكتاب، وحتى لا تبقى معركة الفلوجة مجرد سطر أو عدة سطور في التاريخ وإنما على الأقل في كتاب يبقي للأجيال، متمنياً أن يكمل الآخرون باقي مربعات الصورة.
وأصبح الكتاب بفضل الله هو المرجع الرئيسي حتى في الغرب عن الجانب الآخر من المعركة فقد اكتشفت أن الصحفيين الذين رافقوا القوات الأميركية في المعركة وكذلك بعض الضباط والجنود قد كتبوا عشرات الكتب عنها حتى بلغ عدد ما نشر في الولايات المتحدة وحدها من كتب بالإنجليزية عن معركة الفلوجة ما يزيد على ثلاثين كتابًا كلها تعبر عن وجهة النظر الأميركية والجنود والصحفيين المرافقين، ولم يكن هناك أي كتاب يعبر عن أهل الفلوجة وتضحياتهم وصمودهم وقتالهم للقوات الأميركية ودفاعهم عن أنفسهم، فقد غيرت هذه المعركة مسار الاحتلال الأميركي للعراق، وتحولت إلى هزيمة فعلية للقوات الأميركية وغيرت مسيرة الاحتلال، لذلك حرصت على ترجمة الكتاب ونشره في الولايات المتحدة وبعد معاناة مع الناشرين الأميركيين قام أحدهم بنشره وكتب على غلافه بعد عنوانه الرئيسي «القصة الأخرى للمعركة» ليميزه عن كل الكتب التي كتبت ونشرت في الولايات المتحدة عن معركة الفلوجة وقد تلقف الكتاب كثير من الجنود الأميركيين الذين شاركوا في المعركة وراسلني كثير منهم بل إنهم دعوني لزيارة الولايات المتحدة للحديث عن الجانب الآخر من المعركة بعدما شكلوا جمعية خاصة للجنود والضباط الذين شاركوا في معركة الفلوجة.
وبقي كتابي هو الوحيد- في حدود ما أعرف- الذي كتب عن أهل الفلوجة وتضحياتهم وصبرهم وصمودهم في المعركة وقدرتهم على هزيمة الأميركان رغم قوتهم الغاشمة، فأسأل الله أن يجعله في موازين أعمالي، كما بقيت كتبي عن تغطيتي لحروب أفغانستان والبوسنة والهرسك من الكتب القليلة التي كتبت عن هذه الأحداث الكبيرة.
وقد ذكرت هذا الشاهد هنا حتى أدلل علي أهمية التدوين للأحداث التي تعيشها الأمة الآن لاسيما للزملاء الصحفيين والكتاب الذين يعايشون الأحداث الآن في غزة وسوريا والعراق وغيرها من الأماكن الأخرى، يجب أن يكون التدوين هو مهمة الكتاب والصحفيين عن أحداث أمتنا الحالية في ظل التدليس والأكاذيب التي تبثها وسائل الإعلام الرسمية، ورغم انتشار وسائل التدوين والنشر الحديثة على الإنترنت فإن التدوين صار واجباً على كل شاهد للأحداث أن يكتبه بأي طريقة حتى لو كان غير محترف على أن يقوم الكتاب والمدونون المحترفون بجمع هذه الأحداث وتوثيقها والتحقق من دقة المعلومات بها ثم وضعها في كتب أو نشرها عبر الإنترنت، أتمنى أن تجد دعوتي صداها لدى الزملاء ولدى المدونين ولدى الناشرين.
المصدر :الوطن القطرية