وضع العدوان الصهيوني المتواصل حاليا على قطاع غزة عبد الفتاح السيسي – أول رئيس لمصر بعد الانقلاب الذي قاده على الرئيس المنتخب محمد مرسي – في أول اختبار إقليمي بعد شهر واحد من توليه رئاسة البلاد.
وأصبحت كل الأطراف تترقب كيفية تصرف السيسي في هذا الموقف، بينما لم يغب عن أذهان الجميع الموقف القوي الذي اتخذه الرئيس مرسي حينما قامت الكيان الصهيوني بعدوان مماثل قبل عامين فقط، وعقد الكثيرون مقارنة بين موقفي الرجلين من الحرب على غزة.
مرسي ينتفض لنصرة غزة
وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مقطع فيديو لمرسي أثناء الاعتداء على غزة عام 2012، وتهديده لالكيان الصهيوني بأن "مصر لن تصمت إزاء أي اعتداء يقع على غزة، وأن القاهرة ستظل بجوار غزة وأهلها".
وقال مرسي في كلمة له: "لن نترك غزة وحدها، إن مصر اليوم مختلفة تماما عن مصر الأمس، ونقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم وستكون محركا لكل شعوب المنطقة ضدكم، أوقفوا هذه المهزلة فورا وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة".
واتخذ الرئيس مرسي – وقتها – موقفا عمليا لإظهار التضامن المصري مع الفلسطينيين في قطاع غزة حينما أرسل رئيس الوزراء السابق هشام قنديل على رأس وفد مصري رسمي وشعبي لتقديم كل العون الممكن لأهالي القطاع، وهو الموقف الذي حفز دولا كثيرة، عربية وإسلامية، على أن تحذو حذو مصر، فتواصل وصول الوفود الرسمية والشعبية إلى غزة لإظهار الدعم والتأييد.
وأمر الرئيس مرسي بفتح المعابر بين مصر وغزة بشكل دائم لاستقبال المصابين الفلسطينيين لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية ومعاملتهم كالمصريين.
ولم تكتف مصر بذلك بل قادت حراكا دبلوماسيا وسياسيا نجح في النهاية في وقف العدوان على غزة بعد أيام من اندلاعه وفق معاهدة للهدنة برعاية مصرية، وهو ما أكد استعادة مصر لدورها المحوري في المنطقة.
السيسي ينسق مع الكيان الصهيوني
أما في عهد السيسي، فقد أعلنت الكيان الصهيوني أن رئيس المخابرات المصرية زار تل أبيب قبل يوم واحد من بدء العدوان على غزة، وبعدها بساعات أعلن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو قرب تنفيذ اجتياح بري للقطاع.
وأعاد الموقف المصري الأخير إلى الأذهان ما حدث قبل الحرب على غزة في عام 2008، حينما زارت وزيرة الخارجية الأسبق تسيبي ليفني مصر إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأعلنت من القاهرة بدء العدوان على القطاع.
وخلال الساعات القليلة الماضية، عادت مصر إلى سيرتها القديمة في التعاطي مع كل عدوان صهيوني على الفلسطينيين، حيث اكتفى السيسي بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس تناولا فيه الوضع المتصاعد في الأراضي الفلسطينية في ضوء التصعيد الصهيوني الأخير، حسبما ذكرت الرئاسة في بيان لها مساء الثلاثاء.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن عباس قوله، إن السيسي أكد له حرص مصر على سلامة الشعب الفلسطيني في غزة، وتجنيب القطاع هذا الهجوم الخطير ووقف التصعيد من أجل التوصل لوقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن، مضيفا أن السيسي وعد باستمرار الجهود المصرية لتجنيب الشعب الفلسطيني ويلات هذا العدوان.
من جهتها، اكتفت الخارجية المصرية بإصدار بيان روتيني يشبه عشرات البيانات التي كانت تصدر عن الوزارة منذ عقود، أكدت فيه أن مصر تتابع بقلق واهتمام شديدين تطور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية في ضوء الاعتداءات الأخيرة التي تشنها القوات الصهيونية على غزة.
وطالبت الخارجية الكيان الصهيوني بضرورة وقف كافة العمليات العسكرية، وأن تتحلى بأقصى درجات ضبط النفس لمنع الانزلاق إلى حلقة مفرغة من العنف تزيد الأمور اشتعالاً وتؤدي إلى إزهاق مزيد من الأرواح، كما دعت الجانبين إلى الالتزام باتفاق التهدئة الذي توصلا إليه عام 2012.
وكانت مصر قد أحكمت الحصار من جانبها – عقب الانقلاب مباشرة – على غزة ليكتمل حصار القطاع حيث تغلق الكيان الصهيوني من جانبها حدودها بالكامل مع غزة وتمنع مرور أي مساعدات.
وقامت قوات الأمن المصرية منذ يوليو 2013 بتدمير نحو 1500 نفق في المنطقة الحدودية بين غزة والأراضي المصرية، كما أنها أغلقت بشكل شبه كامل معبر رفح بين الجانبين، لتمنع عبور الأفراد والبضائع إلا في أوقات قليلة جدا.
وشنت الحكومة المصرية وذراعها الإعلامي حملة شعواء لمهاجمة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبخاصة ضد حركة حماس باعتبارها منتمية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
واتهمت حكومة الانقلاب في مصر حركة حماس بقتل الجنود المصريين في مدينة رفح عام 2012، بالإضافة إلى اتهامها بالوقوف وراء عدد من العمليات الإرهابية داخل مصر.
وأعلنت محكمة مصرية في شهر مارس الماضي حركة حماس منظمة إرهابية، وأمرت بحظر أنشطتها في مصر وغلق مقراتها ومصادرة ممتلكاتها وأموالها في البلاد.
واستندت المحكمة إلى ارتباط حماس بعلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين التي اعتبرتها الحكومة في وقت سابق هي الأخرى منظمة إرهابية.
وكشفت صحيفة صهيونية أن تل أبيب طلبت من القاهرة التدخل لدى حماس لإقناعها بالعودة إلى تفاهمات التهدئة التي تم التوصل إليها في أعقاب حرب "عمود السحاب" في نوفمبر 2012.
وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم" الثلاثاء، إن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يخشى أن تشعل الحرب في غزة انتفاضة ثالثة في كل فلسطين، في أعقاب حرق الفتى الفلسطيني محمود أبو خضير حياً، بالإضافة إلى إمكانية تأثير هذه الحرب سلبا على استقرار الأوضاع في مصر والأردن حليفي الحكومة الصهيونية في المنطقة.
فتح معبر رفح
وفي سياق ذي صلة، ناشدت هيئة المعابر بغزة مصر بشكل عاجل فتح معبر رفح البري المغلق لمرور المصابين جراء العدوان الصهيوني على القطاع، حتى يتلقوا العلاج داخل المستشفيات المصرية.
وقالت الهيئة في بيان لها، إنه لا يجوز بقاء المعبر مغلقا والشعب الفلسطيني في قطاع عزة يعاني من القصف الصهيوني.
وقال الدكتور أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة فى غزة، إن حصيلة الشهداء الذين سقطوا الثلاثاء في القطاع بلغ 23 شهيدا وإن عدد المصابين ارتفع إلى 128 مصابا جراء الغارات المتفرقة التي شنها الطيران الصهيوني على شمال القطاع وجنوبه.