شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

البحث العلمي وأهمية نشره باللغات العالمية – نزار الحرباوي

البحث العلمي وأهمية نشره باللغات العالمية – نزار الحرباوي
تتسابق عجلات المطابع في عالمنا العربي في طباعة المؤلفات والنشريات والكتب ، عناوين براقة ، ومجالات بحثية ملونة...

تتسابق عجلات المطابع في عالمنا العربي في طباعة المؤلفات والنشريات والكتب ، عناوين براقة ، ومجالات بحثية ملونة ومتعددة ، وصنوف مختلفة من مستويات التأليف والفئات المستهدفة منه .

الجامعات في عالمنا العربي لا تختلف الصورة فيها في هذا المجال ، فبالرغم من وجود مجلات علمية محكمة في كل الجامعات العربية تقريباً ، وصدور الكتب والمؤلفات من المؤسسات التابعة لها ، إلا أن الواقع العام لهذه المؤلفات والمصنفات على اختلاف أسمائها وعناوينها ومجالاتها البحثية والأدبية تبقى تحت سقف واحد ، وهو سقف الخطاب مع الذات ، بمعنى الخطاب العربي الداخلي .

لنسافر سوياً إلى العالم الغربي ، ولندخل أي مكتبة عامة أو جامعية أو دار نشر غربية ، هل سنرى على رفوفها أي كتاب باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو البرتغالية أو الإسبانية يتناول الواقع العربي من مؤلفاتنا نحن ؟ ومن مؤلفينا الكبار ؟

بكل أسف ، تشير التقارير والمتابعات لدور النشر والمجلات العامة والصحف والدوريات والمجلات المحكمة الصادرة في العالم الغربي ، أن مستويات نشاط اليهود الذين لا يبلغون في العالم اثنا عشر مليون نسمة تتفوق بأضعاف أضعاف ما تنشره أمة المليارين باللغات الأجنبية .

لماذا هذا الفارق ؟ ولماذا هذا الاختلاف والاهتمام والتوجه ؟

الجواب ميسور وواضح ، فضمن استراتيجية التعريف بالذات ، وفرض أنماط الفكر على العالم الغربي عليك أن تخاطبهم باحترافية عالية ، وبلغتهم ، في دارهم ، ليتعرفوا عليك وعلى أفكارك ، فإذا ابتليت بداء التواضع المذموم ، أو اهتممت بالمهم في ظل وجود الأهم ، فقد تركت الساحة لغيرك ليفعلوا بها كيفما شاؤوا وكيف أرادوا .

سأضرب لتوضيح الأمر مثالاً واحداً وعليه يمكنكم القياس :
أنا أعيش في تركيا منذ عدة سنوات ، والشعب التركي من أكثر شعوب العالم تضامنا مع القضية الفلسطينية ، ومع ذلك ؛ تجد أن المؤلفات والأبحاث العلمية والمؤتمرات والندوات وحتى سيناريوهات المسارح والأفلام السينمائية تَطرح للشعب التركي مقارنات عقلية مغلوطة ومركزة ومستمرة ، تحاول الدعاية الإسرائيلية من خلالها تشبيه إسرائيل بتركيا ، وتشبيه الشعب الفلسطيني صاحب الحق والأرض بالانفصاليين الأكراد الذين يطالبون باستقلالهم عن تركيا واستنزفوا مقدرات تركيا على مدار ثلاث عقود في هذا الصراع !

أي مقارنة هذه ؟ وما هي مرتكزاتهم في طرحها ؟ وما هو أثرها في عقول الأتراك والأكراد ؟

المراهنة الوحيدة لديهم هي خلوا الساحة التركية من أي مؤلفات باللغة التركية تتحدث عن واقع القضية الفلسطينية وحقيقة الصراع ، والصهاينة يعتمدون القاعدة الذهبية : الكفاح والنصر لمن سبق وليس لمن صدق .

قد تجد الأمر بسيطا سطحياً ، ولكنك على أرض الواقع تحتاج لساعات طوال من العصف الذهني والاستدلال والبراهين لتثبت للنخب الواعية بطلان هذا الزعم ، فكيف بالعامة والبسطاء ؟

وحتى أكون عملياً ، أودّ أن أطرح هذا المشروع البسيط على الجمهور العربي ، وهو مشروع قمت بتجربته شخصياً ولاقى صدى كبيراً ، ألا وهو مشروع الترجمة للكتب والمؤلفات العامة للغات الأجنبية المختلفة.

كم متقن للغة الفرنسية لدينا في العالم العربي ؟
كم متقن للغة الانجليزية ؟
كم متقن للغة الصينية ؟

لو قام الشباب العربي الذي يتقن أكثر من لغة ببدء هذا المشروع الصغير والفردي فسيَحدثُ أثر بالغ جداً في الواقع العام ، فكل من يتقن لغة أخرى يبدأ بترجمة المقالات والدراسات والأبحاث العقلانية والهامة وليبدأ بنشرها في عالم الانترنت الذي يصل للملايين من الناس .

عام واحد فقط من هذا الجهد ، ستكون حصيلته تغير المفاهيم العامة في العالم الغربي كله ، وستجد الشارع الفرنسي ، والمؤسسات البريطانية ، والمجتمع المدني الألماني ، ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي تتناول قضايا فلسطين وسوريا وللعراق ومصر وليبيا وتونس ولبنان وآراكان بصورة قوية جداً وفق مفاهيمهم ومعتقداتهم ، وسيشهد العالم على حرب فكرية مؤسساتية إعلامية يقودها نشطاء العالم الغربي معنا وليس ضدنا بعد أن يفهمونا، بعد أن يفهموا أننا بشر ، ولا نقتل بعضنا بعضاً للتلهي ، ولدينا حقوقنا ونسعى لحريتنا ولدينا مؤسسات ولدينا بعد حضاري ليس لديهم هم مثله .

وهنا يأتي دور فرسان التواصل الاجتماعي ، وعمالقة الانترنت في عالمنا العربي من الشباب ، أن ينشروا كل ما يفيد قضايانا باللغات الغربية ، وأن يبدؤوا بخطاب الشارع الإسرائيلي باللغة العبرية والأوروبيون بلغاتهم وألسنتهم ، والأمريكان بما يفهمون ، صورة ورقماً ، وفناًَ تشكيلياً وأبحاثاً علمية ، وكاريكاتوراً وألحاناً موسيقية .

لا مجال للشك بأثر ما يطرح هنا ، ودليل ذلك للتوضيح فقط ، ما قام به الفنان التركي والموسيقار العالمي " حسن جهاد أورتير" ، الذي حاز على أكثر من ثلاثة آلاف جائزة عالمية ومحلية ، وبعد أن غنى للعشق والحب والغرام ، ألف سمفونية " مكة " التي أسلم على يديه بعدها عدد كبير من كبار الفنانين الغربيين بعد سماعهم لها ، وحال الفنانين والخطاطين والمصورين الفوتوغرافيين لا تعدوا ذلك قيد أنملة .

النجاح يكمن في البدء ، ولا مجال للتسويف والمماطلة ، فليبدأ كل منا بما يستطيع ، وليظهر شبابنا العربي إبداعه للعالم بقوة واحتراف ، حتى نخاطب الناس في بلاد الغرب على قدر عقولهم ، وحتى ننزل الناس منازلهم .



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023