شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«ميدل إيست آي»: «التين الشوكي» لخّص معاناة المصريين مع الاقتصاد!

معاناة المواطن المصري مع الاقتصاد

سلّطت صحيفة «ميدل إيست آي» الضوء على الأوضاع الاقتصادية المزرية ومعاناة المواطنين معها؛ عبر جولة لكاتب المقال المصري «عمرو خليفة» في القاهرة، موضحًا مكافحة المواطنين معها، مستخدمًا نموذج بائع «التين الشوكي»؛ للوقوف على كيفية تقسيم مصر إلى طبقات متعددة، وكيف أنّ الأوضاع تختلف من منطقة إلى أخرى.

وقال الكاتب، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»: في أيام راحة البال في سنوات المراهقة، في كل مرة كانت تقترب الطائرة من الساحل المصري كان قلبي يرقص فرحًا. ولكن، في محاولة لفك خوارزميات الحكم الاستبدادي في مصر، انضممتُ إلى صفوف أولئك الذين يخشون النوم. يمكنك قراءة أحدث تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش» عن التعذيب المتفشي في مصر لمعرفة مصدر كوابيسنا.

لذلك؛ عندما نظرت من نافذة الطائرة، وألقيت نظرتي الأولى على شمال مصر قبل أسابيع؛ توقف قلبي من الذعر. هل حقًا سأدخلها ثانية؟

نظرة الكاتب الأولى لمصر من الطارة أثناء عودته إليها

في الداخل أو الخارج، إنها ليست قضية شخصية لأولئك الذين يحكمون، «أنت تقوّض سردنا؛ لذا فنحن ننظر بطريقة أو أخرى إلى تقويض وجودك»، فبعد كل هذه الأعوام في الخارج، ما زالت شمس مصر، بغض النظر عن التوتر الموجود فيها، قادرة على جعل القشعريرة تسري في الجسد؛ من كان يتخيل أن الفاكهة في مصر، خاصة «التين الشوكي»، من شأنها أن توفر غوصًا عميقًا في مصر وأوضاعها.

ضغط لا مفر منه

لم يكن بوسع «بيلي جويل» أن يعرف أثناء تدوينه كتابه «الضغط» في عام 1982 أنه كان من الأفضل وصف فحوى وجبات الطعام والمحادثات المشارَكَة مع زملائه المصريين، بغض النظر عن الميول السياسية والدرجات الأكاديمية.

صفقة صندوق النقد الدولي، التي رآها كثيرون ضرورية، أربكت الاقتصاد وأدخلته غرفة العناية المركزة، ووضعته على جهاز التنفس الصناعي، وفي معظم محادثاتي تكون حاضرة كصديق غير مرئي. وعلى الرغم من أنّ معظم الناس الذين تحدثت معهم لم يتمكنوا من التمييز بين الناتج المحلي الإجمالي، أو التضخم الأساسي (ناهيك عن ارتفاعه لأكثر من 30% في الشهور الأخيرة)؛ كانوا يعرفون شيئًا واحدًا: الأسعار مرتفعة ومعاناتهم لا تنتهي.

أتوبيس نقل عام في السيدة زينب بالقاهرة .AFP

وفيما يتعلق بصندوق النقد الدولي الآن، خُفّضت قيمة الجنيه المصري لإظهار القوة الشرائية للجنيه المصري؛ لكنّ هذه القوة انخفضت من 8.88 قروش للدولار الواحد إلى 17.67 للدولار؛ ما أدى إلى تراجع القوة الشرائية، وما زال مستمرًا في الانخفاض.

كل هذا، مع بقاء الأجور المصرية في حالة ركود كبرى؛ إذ يبلغ متوسط ​​دخل الأسرة قرابة 128 دولارًا شهريًا، وفقا لإحصاءات أغسطس 2017؛ ما يعني أنّ وجبة إفطار مكونة من «طعمية» عبء مالي لا يستطيع تحمّله سوى القليل، والمشكلة أنّ الـ«طعمية» مكوّن أساسي في النظام الغذائي المصري، وهي الوجبة التي تقف بين خط الفقر وخط الهاوية لملايين المصريين.

من خمس نجوم إلى الـ«طعمية»

وبطريقة منحرفة، إذا كان الجميع فقراء ويشعرون بالضغط على قدم المساواة؛ فقد تدعم على الأقل السقوط نحو القاع. لكنّ ما يحدث في مصر عكس ذلك؛ فهناك تباين وحشي بين من يملكون ولا يملكون، وهو الأمر الذي أغرق مصر وقادها إلى منطقة الخطر.

كانت أولى ليلة لي في القاهرة دراسة هذين القطبين: «من يملك ومن لا يملك»؛ فقوة الدولار جعلت من إمكانية الإقامة في فندق خمس نجوم ويطل على النيل أمرًا ممكنًا. لكن، في بضعة أيام، جعل إمكانية الإقامة في منزل عادي أمرًا صعبًا.

تخيل نافذة 16X7 تطل على نهر النيل، أمرٌ في غاية الروعة، أضواء المركب الصغير المقابلة، «تخلق جسرًا غير مرئي إلى النافذة؛ لكنّ النافذة تمنع الغبار من الدخول». فعلى بعد 15 دقيقة بالسيارة ميدان السيدة زينب، المكان الأصيل والقديم في مصر، تعلو أصوات الفقر هناك.

منظر من غرفة الكاتب في الفندق المطلة على النيل

ووسط الروائح الغنية بالكفتة والكباب في هذه المنطقة الفقيرة، كانت الوجوه بائسة وعلى استعداد للانقضاض. لكن، ليس جميعهم كالزومبي؛ فوسط صرامة الحياة اليومية في القاهرة، في المطعم الصغير الذي جلست فيه ويقدّم اللحوم، موظفوه كانوا مبتسمين؛ فعلى الأقل ما زال لديهم عملاء يأتون.

لقد انتهينا للتو من عشاء لذيذ جدًا، ولم يكن هناك مجال لأيّ شيء آخر. لكن، على جانب الشارع وقف رجل بعربة خشبية صغيرة مليئة بـ«التين الشوكي»، وهو فاكهة المصريين الصيفية المفضلة، يقشرها الرجل ويعطيها لك.

للوهلة الأولى، لم يكن هناك شيء خاص عن التين الشوكي، أو البائع. لكن، عندما اقتربت، روت عيناه القصة كلها وبشكل نهائي؛ وهو النوع من القصص الذي لا تريده الحكومة، ولن تفهمه إن وجدته.

رأيت رجلًا استسلم إلى مصيره، يقف متعبًا من المعاناة اليومية وكأنه في حالة سكر؛ بسبب الأعمال التجارية الفاشلة بشكل واضح. يكافح يوميًا من أجل 50 جنيهًا، مُجسّدًا حال الملايين من المصريين المكافحين، كان البائع تقريبًا ممزقًا في نهاية يوم عمله.

بائع تين شوكي في القاهرة (Flickr/Joseph Hill)

كان «التين الشوكي» مفيدًا أيضًا في تقديم صورة واضحة للهيكل الطبقي في المدينة؛ ففي السيدة زينب تباع التينة الواحدة بجنيه، وفي التجمع الخامس تباع الواحدة بجنيهين، وفي حي فيصل تباع بخمسين قرشًا؛ «يبدو أنّ مصر وكأنها ليست دولة موحدة. هكذا يخبرنا التين الشوكي».

الانكسار ليس النموذج الوحيد الموجود في القاهرة الآن؛ فهناك أيضًا الغضب والحيرة.

في وقت متأخر من مساء رائع، قال زوجان من الطبقة المتوسطة العليا إنّ الأمور ضاقت للغاية؛ ففي الكومباوند الذي يعيشان فيه في انعزال جسدي عن «الجماهير المتربة» لم يكونا في معزل من الضغوط الاقتصادية.

من قبل، كان هناك ما يكفي لتناول الطعام وشراء الملابس ودفع مصروفات المدارس الخاصة التي كانت في متناول الجميع قبل انخفاض قيمة الجنيه في نوفمبر 2016، وكانت نقطة التوتر والخطط الطويلة الأجل واضحة، وفجأة أصبحت الأمور ضبابية.

فقبل أربع سنوات، أظهروا الثناء على السيسي؛ والآن، ومع تضررهم، انقلبت الأمور رأسًا على عقب.

وفي حين أنه لا بائع التين الشوكي ولا الزوجان من الطبقة المتوسطة يهددون النظام؛ لكنهم في مرة من المرات انحازوا إلى نظام السيسي ودعموه لسعادتهم بإسقاطه لنظام الإخوان.

الطرق والسياح

أما الطبقة العليا من المصريين فيتحدثون عن بلد مختلف تمامًا، إنهم يتحدثون عن طرق تحسّنت ومنضبطة من الجيش، القوة الوحيدة التي يثق فيها السيسي، كما أنهم يسلطون الضوء على صناعة السياحة المتنامية التي تحسنت بالفعل على مدار العام الماضي، مسجلة إيرادات بلغت 4.4 مليارات دولار أميركي، بزيادة 16% عن عام 2016.

لكنّ المتفائلين الذين التقيت بهم من هؤلاء جهلوا ثلاثة تفاصيل مهمة: أنّ هذه الأرقام أقلّ من 40% من مجموعها في 2010، والزيادة في العام الماضي من المرجح أنها بسبب انقضاض السياح للاستفادة من انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار واليورو؛ لكنّ الإرهاب عَكَسَ المكاسب القصيرة الأجل هذه على الاقتصاد المصري.

أنت الآن تسأل: لماذا أنا متشائم؟ بعد أن سافرت مرتين من القاهرة إلى الغردقة، وهي مركز السياحة الفائق الأهمية في البلاد على البحر الأحمر، أستطيع أن أقول لكم إنّ الإجراءات الأمنية التي تشيد بها مصر حاليًا لا تزال فقيرة.

فأثناء التفتيش من رحلتي من القاهرة إلى الغردقة، صودرت ولاعة السجائر الخاصة بي؛ بعد أن ظهرت على الماسح الضوئي، وأثناء عودتي لم أكن أمتلك ولاعة واحدة، بل جلبت ثلاثًا، ولم يكشف عنها الجهاز؛ هكذا فشل النظام في الكشف عن أخفّ الأشياء التي يمكن تهريبها لداخل الطائرة.

الكاتب في رحلته إلى الغردقة

حتى في المجال الأمني، يعيد الاقتصاد المصري الفاشل رأسه القبيح؛ فمع مكافحة كل شخص ماليًا في مصر يمكن أن يغضّ رجال الأمن الطرف بـ«البقشيش»، وهو تقليد طويل الأمد متبع مع رجال الأمن. بعد هذا: ما هي الصعوبة التي سيواجهها أي إرهابي يريد تكرار حادثة الطائرة الروسية؛ إذ يمكنه بسهولة رشوة موظف أمن في المطار حتى لا يفتّش أمتعته؛ فإذا كانت السياحة شريان حياة رئيس، فالذين يعملون فيها يحتاجون إلى أجور أعلى للحد من ضعفهم.

وفي هذا الأسبوع فقط، أطلقت الصحف الرسمية الحكومية على السيسي لقب «المُخلِّص»، وادّعت أنّ خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة شكّل خارطة طريق للعالم. لكن: هل خارطة طريق السيسي أنقذت قناة السويس أو السياحة المصرية أو اقتصادها، ناهيك عن العالم؟

الرسالة الخفية في التين الشوكي

تبحث عن الأمل؟ لقد وجدته في حالة فردية رائعة: صيدلي شاب مخلص ولديه تفانٍ لا مثيل له للبلد ولديه فكر جيد، استطاع الوصول إلى ما هو عليه في نظام تعليمي فاشل؛ لكنّ مثل هذه النجاحات أعمال فردية، لا يمكنها تغيير نظام مكسور. لكن، من أين سيأتي التغيير؟

سنعرف أنّ التغيير قد حان عندما نتوقف عن بناء السجون التي تحتل في مصر 504 موقعًا وفيها 60 ألف سجين سياسيًا؛ وبدلًا من ذلك نبدأ في بناء المستشفيات والمدارس والمصانع، لكنّ هذا لن يحدث.

وإذا كان القادة مثل الطبيب الذي لا يكره نفسه، أو مثل هذا الشاب الذي يعمل في الفندق الخمس نجوم، أو ابن بائع التين الشوكي؛ سيكون هناك أمل. لكننا نعرف أن الأمل لن يأتي إلا بعد مزيد من إراقة الدماء، التي لا مفر منها؛ وإذا ثار قائد من الجيش على الموجود حاليًا فسنجد مثله أو أسوأ منه، فكما يقول المثل المصري: «باب النجار مخلع»، فالجيش له مهمة واحدة: حماية حدود البلاد فقط.

وأتمنى أن أقول إنّ رحلتي قدّمت إجابات، هي لم تفعل بالطبع؛ إلا أنها ألقت الضوء على ضبابية السياسة المصرية، وجلبت وضوحًا مطلوبًا، لكنه وضوح لن يحميك من الحزن الكامن وراء معرفة الحقيقة الشائكة، وخصوصًا عندما تعرف كيف يمكن لفاكهة جميلة ولذيذة أن تسقط على الأرض.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023