شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

فى شبه الديمقراطية

فى شبه الديمقراطية
الحقيقة التى لا مفر من الاعتراف بها هى أن أوضاعنا العربية فى مصر وغيرها لا تحترم الرأى العام ولا تعتبره طرفا فى المعادلة السياسية

ما الذى يعنيه أن نقرأ أن ١١٪ فقط من المصريين مقتنعون بسعودية جزيرتى تيران وصنافير؟.. ردى السريع أن الخبر مهم صحفيا وسياسيا، واستحق أن يحتل صدارة أخبار الصفحة الأولى لجريدة «الشروق» التى صدرت أمس (١٤/٦)، غير أنه لا وزن له ولا قيمة من الناحية العملية. أتحدث عن نتائج استطلاع الرأى العام الذى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)، وبين أن ٤٧٪ من المواطنين الذين استطلعت آراؤهم مقتنعون بمصرية الجزيرتين، وأن ٤٢٪ من المصريين يرون أنه من الضرورى استفتاء الشعب حول الموضوع.

الاستطلاع تضمن بيانات تفصيلية أخرى لا مجال للخوض فيها، لكنى تخيرت أهمها وأكثرها دلالة فى الظروف التى نحن بصددها. وما أثار انتباهى لأول وهلة فى الأرقام ليس فقط ارتفاع نسبة المعارضين وتضاؤل نسبة المؤيدين، وإنما أيضا التفاوت الكبير بين هذه الأرقام وبين نظيرها فى مجلس النواب. أدرى أن التصويت فى الجلسة العامة للبرلمان لم يتم، فضلا عن أن الحكومة ضامنة لتمرير الاتفاقية، لكن التصويت بالموافقة على الموضوع فى اللجنة الدستورية والتشريعية له دلالاته التى استوقفتنى، ذلك أن المؤيدين كانوا ٣٥ عضوا فى حين أن معارضيه كانوا ثمانية أعضاء فقط، الأمر الذى يعنى أن نحو ٢٢٪ فقط من أعضاء اللجنة عارضوا بينما ٧٨٪ وافقوا. وهو ما يدل على أن موقف أعضاء اللجنة على النقيض تماما من موقف عينة الرأى العام المصرى، وهى نتيجة لا تفاجئنا، لكنها تؤكد ما نعرفه عن البرلمان وما يجرح شرعيته. أعنى أنه مما يعيد التأكيد على أنه جرى تصميمه ليكون ذراعا للحكومة وليس ممثلا للشعب. وهذا الانفصال يضع الحكومة والبرلمان فى جانب والمجتمع والرأى العام فى جانب آخر لا يخلو من تناقض فى أحيان كثيرة.

استطرادا وبالمناسبة، فثمة واقعة قريبة من ذلك شهدتها منطقة الخليج أخيرا. ذلك أن أحد الأكاديميين حاول أن يجرى استطلاعا على موقعه للتعرف على موقف الخليجيين إزاء الأزمة الراهنة التى أدت إلى مقاطعة قطر وحصارها، وحين جاءته الردود خلال ساعات تبين أن ٦٥٪ من الخليجيين يرفضون المقاطعة والحصار. ولكن لأن الموقع ينتسب إلى إحدى الدول التى اتخذت قرار المقاطعة فقد تم إغلاقه خلال ساعتين فقط، بما يدل على أن الشعب فى واد والسلطة فى واد آخر.

الحقيقة التى لا مفر من الاعتراف بها هى أن أوضاعنا العربية فى مصر وغيرها لا تحترم الرأى العام ولا تعتبره طرفا فى المعادلة السياسية، ومفاجأة المصريين باتفاقية الجزيرتين ليست الواقعة الوحيدة، لأن القائمة طويلة وتشمل العديد من العناوين التى تتصل بالسياسة الداخلية والخارجية، ولا ينسى فى هذا الصدد أن اجتماع العقبة السرى الذى شارك فيه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والرئيس السيسى وحضره ملك الأردن ووزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى، علمنا به بعد عدة أشهر من الصحافة الإسرائيلية ــ كما أننا فوجئنا هذا الأسبوع بأن اجتماعا آخر عقد فى القاهرة بخصوص الموضوع وقد تم تسريبه من مكتب إسحاق هرتسوج زعيم المعارضة فى الكنيست الذى كان بصحبة نتنياهو فى ذلك الاجتماع. ورغم أهمية الخبر فإننا لم نجد له صدى ينور الرأى العام ويجنبه الحيرة والبلبلة.

إن الرأى العام فى بلادنا تعبير لغوى متداول فى الخطب والمقالات، وهو ورقة لا تستخدم إلا عند الضرورة. لذلك فإن الاستطلاعات التى تجرى تعد من قبيل التجمل ليس أكثر، شأنها فى ذلك شأن مستلزمات الحداثة الأخرى وإفرازاتها. ذلك أن تلك الاستطلاعات لها قيمة فى المجتمعات التى للفرد والمجتمع فيها رأى وقيمة، وذلك لا يتحقق إلا فى ظل ديمقراطية حقيقية. أما شبه الديمقراطية الذى نعيش فى كنفه فهو طارد لأى حضور للمجتمع، وجاذب فقط للعناوين وقصائد الغزل فى «الشعب العظيم»، المغيب دائما والحاضر فى المناسبات.

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023