شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

فورين أفيرز: أوروبا بعد خروج بريطانيا.. اتحاد أقل كمالا

فورين أفيرز: أوروبا بعد خروج بريطانيا.. اتحاد أقل كمالا
تصويت المملكة المتحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وضع الاتحاد في مواجهة أسوأ أزمة سياسية في تاريخه، فقد توسع الاتحاد الأوروبي بثبات منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، لكن منذ 23 يونيو 2016، اختار 52% من الناخبين الانسحاب..

تصويت المملكة المتحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وضع الاتحاد في مواجهة أسوأ أزمة سياسية في تاريخه، فقد توسع الاتحاد الأوروبي بثبات منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، لكن منذ 23 يونيو 2016، اختار 52% من الناخبين الانسحاب من التكتل الأوروبي متجاهلين في ذلك تحذيرات الخبراء من البؤس الاقتصادي الذي سيترتب عن خيار مماثل.

وخلال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين البريطاني في أكتوبر 2016، وعدت رئيسة الوزراء “تيريزا ماي” بتفعيل نص المادة 50 من اتفاقية لشبونة والشروع رسميا في مفاوضات الانسحاب في أجل لا يتعدى السنتين، حسب نص المادة نفسها، وذلك ابتداء من مارس 2017. حاليا، وبالنظر لتصميمها على استعادة السيطرة على ملف الهجرة في مقابل تصميم القادة الآخرين في الاتحاد الأوروبي لجعل المملكة المتحدة عبرة للبقية، عبر ما اصطلح على تسميته “بريكيست” قاسٍ، فإن الانسحاب من السوق المشتركة والاتحاد الجمركي على حد سواء يعتبر وبشكل متزايد أمرا مرجحا. وإذا سارت الأمور على هذا النحو فإن ذلك سيضع حدا لفكرة سادت لفترة طويلة مفادها أن التكامل الأوروبي بمثابة عملية لا رجعة فيها.

 عندما تنسحب المملكة المتحدة، وهو ما سيحدث حتما، فإن الاتحاد الأوروبي سيفقد أكبر قوة عسكرية، وإحدى دولتين تمتلكان الأسلحة النووية، وتحظيان بحق الفيتو في مجلس الأمن، وسيفقد أيضا ثاني أكبر اقتصادياته “حيث يمثل اقتصاد المملكة المتحدة ما يعادل 18 % من الناتج الإجمالي الداخلي و13% من تعداد السكان”، فضلا عن أنها تعتبر المركز المالي الحقيقي الوحيد في الاتحاد.

وبالمقابل فإن خسائر المملكة المتحدة ستكون أكثر بكثير. إذ أن 44 % من صادراتها تذهب لبلدان الاتحاد الأوربي في حين أن صادرات بلدان الاتحاد في اتجاه المملكة لا تتجاوز 8 % من مجمل صادراتها. بل إن المملكة المتحدة ستحصل على امتيازات تفضيلية أقل مع بقية بلدان العالم عندما تباشر المفاوضات التجارية والصفقات الاستثمارية المستقبلية بمفردها، كما يفقد المواطنون البريطانيون حقهم التلقائي في الدراسة، والعيش، والعمل والتقاعد في بقية البلدان 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأكثر من ذلك، فإن فك ارتباط البلد عن 44 سنة من عضويته سيستهلك موارد بشرية ومالية يصعب تقديرها. ر

غم هذه التكاليف الباهظة، إلا أن الشعب البريطاني قد اتخذ قراره وسيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل التراجع عنه، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن توقيت البريكسيت لا يمكن أن يكون أسوأ من توقيته الحالي، إذ وبعد سبع سنوات من أزمة الديون التي عصفت بمنطقة اليورو، لا تزال اقتصاديات البلدان الأوربية هشة. بينما تواصل روسيا قعقعة السيوف على أطرافها الشرقية. بل إن اثنين من الدول الأعضاء، المجر وبولندا تنزلقان سريعا في اتجاه ديمقراطية غير ليبرالية. أما أزمة اللاجئين، فقد حملت معها انقسامات عميقة عبر القارة الأوروبية بشأن مسألة الهجرة. كل ذلك جعل أوروبا تبدو وكأنها في حالة أزمة دائمة. وفي غضون ذلك، فقد استحوذت الأحزاب المناهضة للنظام على الميادين، وهي الأحزاب التي تشكك في قيمة الاتحاد الأوروبي من اليمين واليسار على حد سواء،  وذلك على حساب أحزاب الوسط الديمقراطية المسيحية والديمقراطية الاجتماعية، التي لم تتردد أبدا في دعم مزيد من الاندماج الأوروبي، وبالعودة إلى الماضي  عام 1957، وعند التوقيع على “اتفاقية روما” التي أسست لسلف الاتحاد الأوروبي، فقد كان لدى القادة الأوروبيين “تصور لاتحاد أوثق من أي وقت مضى بين شعوب أوربا”. وخلال ستة عقود كاملة، لم يكن هذا التصور ليبدو بعيد المنال كما هو عليه اليوم.

يمكن تأصيل جذور الأزمة الحالية للاتحاد الأوروبي في ثمانينيات القرن الماضي. ففي العقود الأربعة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، كان القادة ينظرون للمشروع الأوروبي، أساسا، على أنه أداة لاستعادة الشرعية السياسية للدولة الأمة في أوروبا، وهي التي أنهكتها الحروب. لكن خلال الثمانينيات، وضعت النخب الأوروبية أنظارها على هدف أسمى: وهو بناء نظام اقتصادي إقليمي فوق قومي يدير دفته نخبة تكنوقراطية متنورة. وقد كان لإنشاء سوق موحدة سنة 1986 وبعدها بعقد واحد، إدراج العملة الموحدة، أن يبدو وكأنه يبشر بعصر تألق جديد من النمو الاقتصادي والاندماج السياسي.

 في واقع الأمر، فإن هذه الخطوات هي التي زرعت بذور الأزمة الحالية في أوروبا، فزعماء القارة أخفقوا في إنشاء المؤسسات الضرورية لجعل كل السوق المشتركة والعملة الموحدة يعملان بشكل صحيح.

لقد عمدوا إلى تفعيل الوحدة النقدية دون وحدة جبائية ومالية، ما جعل بلدانا مثل اليونان وإيطاليا في وضع هش بعد أن ضربها الكساد العظيم سنة 2008. وحاليا، فإن الاقتصاد اليوناني أقل حجما بـ26 % قياسا بما كان عليه سنة 2007 ولا يزال غارقا في الديون، بينما تقارب نسب البطالة في أوساط الشباب 50 %، وفي إسبانيا تزيد عن 45 %، وحوالي 40 % في إيطاليا، ولقد افترض زعماء أوروبا على الدوام أن الصدمات المستقبلية ستقود إلى مزيد من الاندماج، وكانوا مخطئين في ذلك، إذ أن الأزمة الاقتصادية وما تبعها من أزمة سياسية قائمة حول الهجرة جرت الاتحاد الأوروبي نحو حافة التفكك.

إذا أراد الاتحاد الأوروبي الاستمرار، يتوجب عليه العودة إلى التقسيم الأصلي للاختصاصات والصلاحيات بين بروكسل وباقي العواصم الأوروبية، حيث تحتفظ حكومات البلدان الأعضاء بحقها في التصرف بحرية في مجالات حيوية مثل السياسة الاقتصادية، ومن ذلك تمكينها من تقديم حوافز ضريبية والدفاع عن أبطالها القوميين “الشركات التي تجسد رمزية قومية في بلدانها”. إن الدولة الأمة وجدت لتبقى، كما أن السياسات الوطنية لا يزال لديها شرعية ديمقراطية أكبر قياسا بتلك التي يحاول أن يفرضها الموظفون التكنوقراطيون في بروكسل وفرانكفورت. ويحتاج الاتحاد الأوروبي أن يعطي حكومات البلدان الأعضاء مزيدا الحرية في التصرف وليس تقليص هامش الحركة لديها.

من الرماد

كان مؤسسو الاتحاد الأوروبي ليبتئسوا لو شاهدوا ما آل إليه إنجازهم. وكما حاجج المؤرخ البريطاني “آلان ميلوورد” سنة 1992 في كتابه المنشور سنة 1992: “إنقاذ أوروبا للدولة-الأمة”، فإن النخب الأوروبية التي شيدت المجموعة الاقتصادية الأوربية خلال الخمسينيات لم تهدف إلى إنشاء سلطة فوق قومية جديدة، بل إعادة تأهيل منظومة الدولة-الأمة الأوربية، بعد كل ما تعرضت له من أهوال خلال الحرب العالمية الثانية، بحيث خلصوا إلى أنه إن أرادت البلدان الأوربية البقاء والاستمرار، يتعين عليها اللجوء إلى مستوى معين من التنسيق القاري للمساعدة على توفير الرفاه الاقتصادي والاستقرار السياسي.

وقد ارتأى “ميلوورد” أن رفع مستوى التعاون الاقتصادي يستوجب التنازل عن السيادة الوطنية لكن ذلك لا يعتبر استبدالا كليا للدولة-الأمة بنوع جديد من الحوكمة فوق القومية، بل إن المجموعة الاقتصادية الأوروبية صممت بما يتماشى مع نظام “الليبرالية الضمنية” -النظام الاقتصادي السائد لثلاث عقود بعد الحرب العالمية الثانية وينطوي على التوفيق بين تحرير التجار ومقتضيات تدخل الدولة اجتماعيا لمكافحة البطالة وغيرها- وهو التوافق الذي تم التوصل إليه ما بعد الحرب والمتضمن شروع البلدان ذات السيادة بـ”لبرلة” اقتصادياتها مع الاحتفاظ بقدر من حرية التصرف في سياساتها الاقتصادية للتعامل مع الفترات الصعبة داخليا. وبذلك يبدو واضحا أن الآباء المؤسسين تركوا معظم الصلاحيات السياسية والاقتصادية بأيدي الحكومات الوطنية، بينما يقتصر دور المجموعة الاقتصادية الأوربية في تنسيق عمليات إنتاج الفحم والصلب، ودعم الفلاحة، البحوث النووية، العلاقات التجارية الداخلية والسياسة الاقتصادية الخارجية الموحدة.

 لقد بشرت هذه الصفقة السياسية بثلاث عقود من التكامل الأوروبي عبر ضمان السلام والاستقرار وتعزيز مزيد من التجارة والرفاه. ومع قيام “مليوورد” بنشر كتابه بداية التسعينيات، كان الاتحاد الأوروبي في ذروته. إذ أن استطلاعا للرأي قامت به “يورو بارومتر” أظهر أن 71% من مواطني الاتحاد الأوروبي يعتبرون أن عضوية بلدهم في الاتحاد يعتبر “أمرا جيدا”، وفقط 7 % كانوا يعتبرونه” أمرا سيئا.”

 ومع ذلك، لم تكن أطروحة “ميلوارد” لتظهر حتى بدت أنها متجاوزة، بداية من منتصف الثمانينيات، حيث شرعت النخب الأوروبية في تغيير طبيعة المشروع السياسي الأوروبي، بقيادة  “جاك دولور”، رئيس اللجنة الأوربية آنذاك، والمدعوم من الرئيس الفرنسي “فرانسوا ميتران” والمستشار الألماني “هلموت كول”، والذين وضعوا نصب أعينهم إنشاء صيغة جديدة من الحوكمة فوق القومية بدل توظيف التكامل الأوروبي لتقوية النظام العتيق في القارة: الدولة-الأمة. ما يسمح بجعل القواعد التي تضعها أوروبا تعلوا على خيارات السياسة الوطنية. إذ أن صوت الاندماج الاقتصادي يفترض به أن يعلو على أصوات السياسات الديمقراطية الداخلية. لذا يتعين على القادة الأوروبيين أن يحولوا بلدانهم من دول-أمة إلى دول-عضو، وكما يبينه عالم السياسة “كريس بيكرتون”: “لقد عمدوا إلى تفكيك الدولة الكوربوراتية التي تشكلت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ اقتضت الرؤية الفدرالية لـ “دولور” تنازل أعضاء الاتحاد الأوروبي عن مزيد من سيادتهم، ما ساهم في إضعاف الروابط القائمة المتميزة بين الحكومات الوطنية وشعوبها. ويبدو بذلك أن عضوية الاتحاد الأوروبي لا يتبعها بث مزيد الروح في الدولة-الأمة بل على العكس من ذلك تكبيلها.

التجربة العظيمة

كانت سنة 1986 بمثابة المحطة الأولى في تحول المشروع السياسي الأوربي، عندما التحق اشتراكيون فرنسيون من أمثال “دولور” و”ميتيران” وقوى محافظة كالمستشار الألماني “كول” ورئيسة الوزراء البريطانية “مارجريت تاتشر” بمسعى التوقيع على الاتفاق الأوروبي الموحد الذي جاء ردا على حالة الركود المستعصي في أوروبا خلال السبعينيات والثمانينيات، حيث انخفضت نسب النمو، وتزايدت الاضطرابات العمالية، وارتفعت نسب البطالة والتضخم. كانت اتفاقية روما قد أرست أسس السوق الموحدة، وكرست أربع مضامين للحرية ضمن القوانين الأوروبية: حرية تنقل الأفراد، الخدمات، والسلع ورؤوس الأموال. ومع ذلك، فإن عددا لا يحصى من اللوائح الوطنية لا يزال يكبل التجارة العابرة للحدود.

وبحسب صناع القرار فإنه لا يمكن لأوروبا التخلص من حالة الركود إلا عبر القيام بمزيد من الجهود في اتجاه كبح النزعة التدخلية واللبرلة. وفعلا، فقد تحولت المجموعة الاقتصادية الأوربية إلى سوق موحدة فريدة مع مطلع عام 1992.

غير أن عالم الاجتماع الاقتصادي المجري كارل بولانيي حذر في منتصف القرن العشرين من أنه لا شيء طبيعي بخصوص خلق الأسواق. فهي بحاجة إلى إحداث تغييرات كبيرة على سلطات الدول واختصاصاتها بحيث أن النشاطات التي كانت في السابق ضمن حيز العلاقات الاجتماعية والسياسية المحلية تصبح متداولة بين أطراف مجهولين. ومجمل التبادلات ستكون بحاجة إلى اقتلاعها من سياقها الاجتماعي لتصبح أشبه بصفقات السوق. لقد كانت المجموعة الأوروبية بمثابة تمرين على انتزاع الأسواق الوطنية من حاميتها، ومن القوانين والتقاليد التي تحكمها.

 لقد كانت المجموعة الأوروبية تملك طموحا جارفا. ذلك أن معظم البلدان العضو تشترط أن يمتلك الأفراد الراغبون في تقديم أي شكل من أشكال الخدمات تراخيص وطنية لمباشرة عملهم، سواء تعلق الأمر بتصميم منزل، إجراء عملية جراحية، أو تقديم استشارة مالية. وعديد الدول لا تزال تفرض قيودا على انسياب رأس المال والعمليات المصرفية من وإلى مجال اختصاصها الإقليمي. بحيث نجد أن التجارة الدولية للسلع مكبلة بكل أنواع الحواجز غير الجمركية كالقيود التي تفرضها الدول بداعي مراعاة معاييرها الخاصة الهادفة إلى حماية الصحة، والسلامة العامة والحفاظ على البيئة. لكن بعد انتهاء عصر المجموعة الأوروبية -وإطلاق الاتحاد الأوروبي- أصبح في متناول المواطن الأوربي التنقل بين مختلف أسواق العمل، كما أضحت الرساميل تنساب بسهولة عبر الحدود الأوروبية، أما المصنعون فلم يعودوا مجبرين على إيجاد حلول المجموعة الهائلة من المعايير المتضاربة التي تفرضها الدول على المنتجات الموردة إليها. والطيار البرتغالي أصبح قادرا على العمل في “الخطوط الجوية الفرنسية”، تماما كما يمكن لبنك بلجيكي الاستثمار في اليونان، بالمثل يستطيع سائق ألماني شراء سيارة لمبرجيني الإيطالية دون أن تنتابه مخاوف من مدى استجابتها للمعايير التقنية ومعايير السلامة الألمانية، أما التجارة البينية فقد ارتفعت بشكل كبير جدا. لكن السوق المشتركة ظلت مغيبة رغم أنها ذهبت بعيدا أكثر من أي تمرين آخر في التاريخ المعاصر “فهذه السوق لا تزال منقوصة من نظام موحد للإشراف على أهم البنوك الأوروبية والفصل في المسائل المتعلقة بها، كما يعوزها آلية رقابة للتحذير من أية انقطاعات قد تحصل على التدفق الدولي للرساميل”.

 وفعلا، فقد لاحظ عالما السياسة “لايف هوفمان” و”كريغ بارسنز” أن السوق المشتركة للولايات المتحدة وفي حالات كثيرة تضبطها قواعد أكثر  قياسا بأوروبا. ففي مجال المشتريات العامة على سبيل المثال، يمكن لولاية كاليفورنيا أو لمدينة شيكاغو أن تمنح الأفضلية للممونين من الولاية ذاتها أو لمزودي الخدمات المحليين.  في المقابل، لا يمكن للبلدان العضو في الاتحاد الأوربي أن تمنح الأولوية للشركات المحلية. وفي الاتجاه ذاته، فإن ضبط عديد الخدمات  في الولايات المتحدة يتم على مستوى الولايات، وليس على المستوى الفدرالي. وكمثال على ذلك يتعين على حلاق/ـة مرخص/ـة بأداء وظيفته/ـها في أوهايو في حال انتقاله/ها إلى بنسلفانيا للالتحاق بدورة تدريبية من 2100 ساعة، فضلا عن اجتياز  امتحان كتابي وتطبيقي للحصول على رخصة جديدة، في حين يمكن لصاحب وظيفة مماثلة في برلين ممارسة عمله بشكل عادي في باريس خلال اليوم التالي.

 لكن التجربة الأوروبية في إنشاء سوق حرة حقيقية لم تكن من دون ثمن. صحيح أن التنافس المتزايد على الأسواق والذي دفعت إليه المجموعة الاقتصادية الأوربية جلب منافع ممتدة لكنه خلق وضعا فيه الرابحون والخاسرون أيضا، فالمنتجون المحليون وأصحاب المؤسسات الخدمية المحلية في فرنسا والمملكة المتحدة أضحوا الآن يواجهون منافسة قوية من المصنعين السلوفاكيين ذوي المنتجات منخفضة التكلفة،   ومن السباكين البولنديين والمتعاقدين الرومانيين أيضا. استطاعت الوحدة الاقتصادية الأوربية خلال سنوات الازدهار، توليد ثروات كافية لتعويض الطرف الخاسر في معادلة تحرير السوق،  لكن بفعل الركود، توجهت قطاعات واسعة من الناخبين للمطالبة بمزيد من الحماية من السوق التي أنشأها الاتحاد الأوربي.

 ولأن المجموعة الاقتصادية الأوربية اقتلعت الأسواق الأوروبية من بيئتها الوطنية التي تقوم على السياسة الديمقراطية والمؤسسات الاجتماعية ،فقد تنازلت الحكومات الأوروبية على قدر كبير من سلطاتها لصالح التدخل في اقتصادياتها .صحيح أن شيئا مماثلا قد حصل فعليا في كل مكان بفعل العولمة، لكن البلدان الأوربية اعتنقت مبدأ أسبقية الأسواق الدولية على السياسة الداخلية بشكل يفوق بكثير ما هو قائم في بقية البلدان الصناعية المتقدمة. وبالنتيجة، فقد وجدت نفسها بمستوى رقابة أقل على اقتصادياتها قياسا بأندادها في العالم الغربي. ولأن الضوابط المتعلقة بالسوق الأوربية الموحدة إلى قوانين لا يحتاج سوى إلى الحصول على موافقة أغلبية مناسبة من البلدان الأعضاء، بدلا من الإجماع، فإن هذه القوانين يمكن أن تتعارض أحيانا وبشكل مباشر  مع المصالح الوطنية. وكمثال على ذلك فإن الاتحاد الأوربي أمر الحكومة الأيرلندية في أوت 2016 بجمع 14.5 مليار دولار ، هي بمثابة ضرائب غير مدفوعة من شركة “آبل”، وهذا على الرغم من أن الحكومة الأيرلندية احتجت بكون الضرائب المتدنية على الشركات يعتبر إحدى مقومات نموذجها الاقتصادي وأن المسألة في جوهرها سيادية.

يوما ما ستكون هناك أزمة

يعتبر إنشاء العملة الموحدة “اليورو” بفضل معاهدة ماستريخت خسارة إضافية أكبر للحكومات الأوربية فيما يتعلق بسلطاتها، فالنخب الأوروبية أدرجت اليورو اعتقادا منها أن سوقا موحدة لا يمكنها أن تشتغل بشكل جيد إلا إذا اعتمدت على عملة موحدة. كما ارتأت أن بلدانا متفتحة ومندمجة كأعضاء الاتحاد الأوروبي ستستفيد حتما من وضع حد لتقلبات سعر الصرف بين بعضها البعض. بل وبهدوء أكبر فقد حلمت ببناء عملة موحدة قادرة على تحدي الهيمنة العالمية للدولار الأمريكي.

لقد أشاد ذوو النزعة الفدرالية في أوروبا باليورو باعتباره قفزة أخرى في اتجاه الوحدة الأوربية، لكنها أخذت أوربا أبعد بكثير من ليبراليتها الضمنية التي أسست لما أسماه “ميلوورد” ‘الصفقة الكبرى’. هذه الصفقة حافظت على تحكم الدولة-الأمة في مسار التكامل الأوربي وافترضت مسبقا أن الديمقراطيات بحاجة إلى فسحة عندما تشتد الأزمات حتى تعيد التوازن لاقتصادها لصالح نسب نمو أكبر وبطالة أقل حتى وإن كان ذلك يعني تجميدا مؤقتا لـ “اللبرلة”.

 غير أن تصميم عملة اليورو لم يمنح الديمقراطيات الأوربية حرية مماثلة. فإدراج العملة الوحدة والبنك المركزي الأوربي، والذي انحصرت ولايته في الحفاظ على استقرار سعر العملة، حرم الدول الأعضاء من تنفيذ سياسات نقدية خاصة بها. كما أن السياسات المالية التقشفية التي أصرت عليها ألمانيا صعبت أكثر على الحكومات مساعي تحفيز النمو عبر رفع الإنفاق خلال فترات الانكماش الاقتصادي. ويبدو أن ميثاق الاستقرار والنمو لعام 1997 تمت تسميته بطريقة خاطئة لأنه تسبب في تقويض الاستقرار الاجتماعي إذ أنه لم يحقق سوى نسب نمو متدنية، بينما كان مأمولا فيه تخفيض العجز في الموازنات العامة وتقليص معدلات الدين السيادي. ومع أن الحكومات الوطنية دأبت على تجاهل هذا الميثاق، سيما في السنوات الأولى للعملة الموحدة، إلا أن الاتحاد الأوربي و بإيعاز من ألمانيا أقر قواعد صارمة استجابة لأزمة اليورو وجعلت من أية سياسة مالية نشطة، لدولة عضو، عملا غير قانوني.

 كانت ألمانيا أكبر الرابحين من استصدار اليورو. ذلك أن العملة الألمانية لا يمكنها أن تحظى بالأفضلية في علاقاتها مع باقي الشركاء التجاريين في أوروبا، لقد تمكنت ألمانيا فعليا من تخفيض تكاليف صادراتها ما نتج عنه فائض تجاري ضخم. وفي المقابل كان اليورو بمثابة كارثة على باقي أوروبا. إذ أنه ولدى إنشاء العملة الموحدة (اليورو)، فإن النخب الأوربية قد أزالت ممتص الصدمات الاقتصادي الذي كانت تعتمد عليه الدول المعنية لكن دون وضع آليات بديلة لتصحيح أي خلل، فقد اعتقد القادة الأوربيون أنه ليس من الحكمة إرساء اتحاد مالي وسياسي خالص لتجسيد الاتحاد النقدي، إذ ارتأوا أن ناخبيهم لن يقبلوا بذلك وكانوا محقين في ذلك، غير أنهم افترضوا الأزمات المستقبلية التي سيواجهها الاتحاد الأوربي ستدفع باتجاه مزيد من الاندماج. وهو ما لاحظه “رومانو برودي” -رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، ورئيس المفوضية الأوربية- سنة 2001، مع إطلاق اليورو: “أنا على ثقة من أن اليورو سيجبرنا على تبني أدوات جديدة في السياسة الاقتصادية. إنه من المستحيل سياسيا تمرير اقتراح كهذا حاليا. لكن يوما ستكون هناك أزمة، وحينها ستصاغ أدوات جديدة”.

 غير أنه عندما ضربت الأزمة، رفض البنك المركزي الأوربي في بداية الأمر تخفيف سياسته النقدية بل إنه قام برفع أسعار الفائدة، وفي غضون ذلك، لم يعد بمقدور الحكومات الوطنية تخفيض قيمة عملاتها مقارنة بعملات أهم شركائها التجاريين بهدف دعم صادراتها ولتنفيذ برامج تحفيز مالي. هذه الوضعية لم تترك من خيار آخر سوى تدابير التقشف الصارم، والتي تسببت في تعقيد الأزمة على المدى القصير. ومنذ ذلك الوقت، عمد الاتحاد الأوربي إلى ابتكار أدوات جديدة، بما في ذلك الاتحاد البنكي واتفاقا ماليا جديدا، وهو ما حول المسؤولية على أكبر بنوك منطقة اليورو من سلطة حكومات الدول نحو سلطة البنك المركزي الأوربي، وإنشاء مجلس واحد لاتخاذ القرارات بخصوص تصفية البنوك المفلسة، وإرساء آليات رقابية على الموازنات العامة تتسم بكونها أكثر تطفلا. ومع ذلك فقد ظل المنطق الذي يحكم الاتحاد الأوربي ثابتا: مزيد من القواعد فوق قومية وتقليص هامش حركة حكومات البلدان الأعضاء. ما يحرم الحكومة الألمانية على سبيل المثال من اتخاذ تدابير لإنقاذ الـ “دويتش بنك” الذي كان بمثابة رمز لمجد ألمانيا المالي، حتى ولو ارتأت برلين أن من مصلحتها القيام بذلك. تماما كما سيحرم ذلك الحكومة الإيطالية من تسيير عجزها المالي الهائل لفترات طويلة قصد مواجهة الغياب المزمن للنمو الاقتصادي في البلد.

الداخلون والخارجون

 رغم كل ما سبقت الإشارة إليه، إلا أن الأزمة حول الهجرة هي التي أطلقت مسار  انهيار الاتحاد .فحرية حركة الأفراد ضمن السوق المشتركة كان على الدوام موضوعا سياسيا ثانويا. أما غالبية الأوروبيين فقد اعتبروه بمثابة فرصة ينتهزها الشباب للدراسة في الخارج بفضل برامج الاتحاد الأوربي “إيراسموس” و”سوكراتيس”( وفرصة للأفراد المتعلمين والنشطين للحصول على تجربة مهنية في بلد آخر. وقد ظلت حركية الهجرة الكبيرة في الاتحاد الأوربي في نسب متدنية حتى بداية القرن الحالي.

لكن مع توسيع العضوية في الاتحاد، سنة 2004، لصالح البلدان الشيوعية سابقا في أوروبا الوسطى والشرقية، اتجهت الهجرة الداخلية للارتفاع. لقد جعلت هذه التوسعة من “أوروبا فضاء واحدا وحرا” على حد تعبير الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في 1989، إلا أن الهجرة جعلت العضوية في غير متكافئة من الناحية الاقتصادية. ففي سنة 2004، كان الدخل الفردي في بولندا عندما التحقت بالاتحاد الأوربي حوالي: 3600 دولار، في حين كان الدخل الفردي في المملكة المتحدة في حدود: 38.300 دولار، هذا التفاوت الكبير في الدخل شجع ملايين الأفراد من أوروبا الشرقية للتوجه غربا. إذ بين عامي 2004 و2014 تجاوز عدد البولنديين الذين استقروا في ألمانيا والمملكة المتحدة المليونين، وما يقارب المليوني روماني توجهوا بدورهم نحو إيطاليا وإسبانيا. وقد تسببت هذه الحركية الهائلة للأفراد بالضغط على الخدمات العامة وشبكات المساعدة الاجتماعية في الدول المستقبلة.

وبعدها، في 2015 عبر الحدود نحو أوروبا ما يزيد عن المليون مهاجر من أفغانستان، العراق، سوريا وإفريقيا جنوب الصحراء. وقد اتضح بذلك أن السوق المشتركة لا تمتلك أية آلية للتعامل مع الحركة المفاجئة للأفراد ضمن حدودها، وبالمثل فإن الاتحاد الأوربي لا يملك سياسة موحدة بخصوص الهجرة الخارجية لتساعده على امتصاص التدفق الهائل للاجئين. بينما صارعت الحكومات الأوروبية  لإيجاد الرد المناسب كونها مكبلة بالقواعد التي أقرها الاتحاد الأوربي على الإنفاق العام، فضلا عن أنها فشلت في الاتفاق حول طريقة لتقاسم الأعباء. صحيح أن العدد الإجمالي للمهاجرين يظل متدنيا نسبيا، وأن المساهمة الصافية للمهاجرين لصالح البلدان المستقبلة يعتبر إيجابيا ،إلا أن عديد المواطنين كانوا يشعرون بأن حكوماتهم لا تمتلك أية سلطة، وفي المقابل، يخفق الاتحاد الأوربي في تمثيل مصالحهم، وبذلك ارتفعت أصوات الأحزاب المناهضة للمهاجرين عبر أوروبا. وهو ما جعل التزام الاتحاد الأوربي تجاه حرية التنقل يبدو ضعيفا لأول مرة.

 أما حكومات بلدان أوربا الشرقية، كحكومة “فيكتور أوربان” في المجر و”بياتا سيدلو” في بولندا، والتي لطالما دافعت بشراسة عن حقوق مواطنيها للعيش والعمل عبر كامل الاتحاد الأوربي، إلا أنها رفضت طلبات الاتحاد الأوربي لاستقبال حصتها من اللاجئين.  العديد من البلدان الغربية جاهزة لقبول الحصص التي أقرها الاتحاد الأوربي ولو على مضض، ولكنها أضحت تطرح المزيد من التساؤلات حول الطبيعة اللامنتهية للهجرة ضمن فضاء الاتحاد الأوربي. إن المخاوف من موجة هجرة لا منتهية من تركيا -المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي- لعبت دورا أساسيا في قرار المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوربي يضاف إليه رغبتها في استعادة سيطرتها على ملف الهجرة باتجاه المملكة المتحدة، وهو ما سيترتب عنه مغادرتها أيضا للسوق المشتركة.

استعادة السيطرة

 أين يتجه الاتحاد الأوربي؟ يحاول المتحمسون للوحدة الأوربية المحاججة بأن المملكة المتحدة كانت على الدوام بمثابة العضو المتردد، وبخروجها يمكن لبروكسل أخيرا الدفع باتجاه مزيد من الاندماج. إلا أنهم بذلك يسيئون قراءة المزاج السائد حاليا في العواصم الأوربية، كما أنها تقدم أيضا تشخيصا خاطئا للوعكة التي ألمت بأوربا.  إن المزيد من “أوربا” ليس بالعلاج الصحيح لمشكلات الاتحاد الأوربي.

وبدلا من ذلك، يتعين على القادة الأوربيين العودة إلى فكرة “ميلوورد” الأساسية المتمثلة في كون -مشروع-  “أوروبا” لا يعني وضع الدولة-الأمة الأوربية في القفص بل إنقاذها .فالشرعية السياسية في أحسن الحالات كما في أسوئها تقف إلى جانب الحكومات الوطنية الأوربية، إذ لا توجد حلول تكنوقراطية لمشكلات أوربا السياسية. وقد سبق للمؤرخ “توني يوت” أن كتب سنة 1996: “لا أود التلميح إلى وجود شيء ما أعلى شأنا من حيث طبيعته عندما يتعلق الأمر بالمفاضلة بين المؤسسات الوطنية، لكنه يتوجب علينا الإقرار بواقع الأمم والدول، وتسجيل حقيقة مفادها أنه عندما نتجاهل الاثنين سنخاطر بأن يتحول الناخبون إلى مورد للتيارات القومية الخبيثة”.

لقد صادر الاتحاد الأوربي عديد الأدوات التي توظفها الحكومات عادة في سياساتها العامة كرافعة، حتى أن عديد المواطنين شرعوا في التساؤل عن جدوى استمرار وجود هذه الحكومات. وهو ما حاججت به مع عالم الاقتصاد السياسي “مارك بلايت” بخصوص مستقبل اليورو: “دون تطوير عملية سياسية لتضمين، يحظى بالشرعية، للمؤسسات الاقتصادية و المالية لمنطقة اليورو، فإن اليورو سيكون في أحسن حالاته هشا”. ذلك أن استعادة النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، مكافحة البطالة، والوقوف إلى جانب إصلاح سياسي للاتحاد الأوربي بما يمكن من إعادة بعض الصلاحيات، في المجال الاقتصادي، للدول الأعضاء، هذه التدابير يتعين أن تكون لها الأولوية على إصلاحات تستند إلى التقشف وحزمة الإصلاحات الهيكلية التي يراد بها أن تلائم “جميع المقاسات.”

 هذه السياسات التوزيعية التي نتج عنها رابحون وخاسرون، يجب شرعنتها ديمقراطيا عبر انتخابات ديمقراطية دورية، لتبقى بذلك الضمانة الوحيدة لحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، ويتعلق الأمر هنا بالسياسات التالية: تحديد أولويات الميزانية العامة، تحديد مستوى سخاء دولة الرفاه -أي حجم الإنفاق العمومي على الدعم الاجتماعي ورفاهية أفراد المجتمع-، ضبط سوق العمل، الرقابة على الهجرة وإدارة السياسة الصناعية. إن السماح للدول الأعضاء  في حالات معينة بخرق القواعد المتعلقة بالسوق المشتركة والعملة الموحدة، من خلال السماح لها مؤقتا بحماية صناعاتها الحيوية وتقديم الدعم المالي لها، على سبيل المثال، أو إقرار استثناء يسمح بخرق القواعد المتعلقة بالهجرة تحت شروط معينة. يفترض بهكذا تدابير أن تعزز موقف النخب الوطنية للتعامل مع المشكلات الوطنية ذات الخصوصية والرد على الانشغالات المشروعة الناخبين من خلال إعطائهم فرصة الاختيار الديمقراطي بين بدائل السياسة العامة.

  وفي غضون ذلك، يتعين على الاتحاد الأوربي التركيز على الأمور التي لا يمكن للدول منفردة أن تتصرف حيالها بفعالية والتي يمكنها أن تخلق منافع متبادلة مثل: التفاوض حول الصفقات التجارية الدولية، الإشراف والرقابة على البنوك ذات الأهمية القصوى لسير المنظومة وكذلك المؤسسات المالية الأخرى، مواجهة الاحتباس الحراري العالمي، وكذلك تنسيق السياسة الخارجية والأمنية. على ضوء سبر الآراء الذي أجرته “بارومتر” صرح ثلثي المواطنين الأوربيين أنهم يدعمون سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوربي. يمكن للحكومات البدء في تعبئة أكثر فعالية لمواردها العسكرية قصد تنفيذ مهام حفظ السلام والعمليات الإنسانية فيما وراء البحار.

الاتحاد الأوربي ليس بحاجة لمزيد من القواعد، بل هو بحاجة إلى قيادة سياسية.  يتعين على ألمانيا التراجع عن معارضتها لسندات اليورو، أو  لأية أدوات دين أخرى في منطقة اليورو تحظى بضمانات مشتركة، وتأمين على الودائع المشتركة، وهي أدوات يفترض بها أن تدفع باتجاه استقرار مالي طويل المدى في منطقة اليورو وتحول مستقبلا دون انتقال عدوى سوق السندات السيادية واستنفاذ البنوك. يتعين أيضا على ألمانيا أن تخفف إصرارها على القواعد المالية القاسية للسماح لبلدان مثل إيطاليا والبرتغال لمباشرة عملية تحفيز تراكمي للطلب. كما يتوجب عليها ريادة مساعي إقرار آليات جديدة لتعزيز التضامن داخل الاتحاد الأوربي، كإنشاء صندوق مشترك للاجئين والمهاجرين، وهو ما سيحدث فارقا في التعامل مع  حالات العجز في الصناديق المحلية المخصصة لهذا الغرض، وبالتالي مساعدة الدول الأعضاء لتحمل الأعباء بشكل أكثر فعالية في إدماج المهاجرين الجدد عبر أوربا.

تحتاج ألمانيا أخيرا إلى تبني دورها القيادي.  إذا تمكنت ألمانيا من التغلب على مقاربتها ضيقة الأفق بحيث تعترف بأنه من مصلحتها على المدى الطويل أن تتصرف، أوروبيا، كقوة مهيمنة حميدة، وذلك لا يختلف عن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، فلا يوجد سبب يجعل أوربا غير قادرة على الظهور بشكل أقوى بعد وعكتها الحالية. ومن جهتهم، يتعين على قادة بقية الدول الكبرى الأعضاء المتبقية، خاصة فرنسا، إيطاليا، بولندا وإسبانيا، أن تطمئن برلين من أنها ملتزمة بإصلاح اقتصادياتها بمجرد عودة النمو ، وأن تتعهد بالمساهمة الفاعلة في التضامن بين كل أطراف الاتحاد الأوربي مع التأكيد على أن المشروع الأوربي ضمن مصالحها الوطنية. أما القادة الأوروبيون، وبشكل جماعي، فهم بحاجة إلى إعادة النظر في السبب الذي وجد من أجله ]مشروع[ أوربا. وبذلك استعادة السيطرة على عملية الاندماج الأوربي. بعد ستين سنة من التوقيع على معاهدة روما المؤسسة، أضحت أوربا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى صفقة جديدة كبرى.

* نشرت هذه الدراسة في مجلة فورين أفيرز. عدد يناير-فبراير 2017، لـ “ماتياس ماتهيجز”.. أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي بمدرسة الدراسات الدولية المتقدمة، بجامعة جون هوبكينز.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023