شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

طبيب مصري: هل موتانا داخل المستشفيات ينعموا بـ”good death”؟

طبيب مصري: هل موتانا داخل المستشفيات ينعموا بـ”good death”؟
داخل أروقة المستشفيات، قصص وحكايات عن الموت، وداع وصرخات واتهامات بالتقصير،لذا اصبح مصطلح الموت الجيد "good death"، يتربع على عرش المؤسسات الصحية، لما يحققه من حالة من الرضا بين ذوي المرضى ويباعد الأطباء عن المسئولية .

داخل أروقة المستشفيات، قصص وحكايات عن الموت، وداع وصرخات واتهامات بالتقصير،لذا اصبح  مصطلح الموت الجيد “good death”، يتربع على عرش المؤسسات الصحية، لما يحققه من حالة من الرضا بين ذوي المرضى ويباعد الأطباء عن المسئولية ويضمن حالة من الإنسانية في الموت رغم مساوئه.

يقول د.أيمن العطار أخصائي مصري في طب رعاية الحالات الحرجة، أن “الموت الجيد”  أصبح راسخا في الأوساط الطبية الأكاديمية، ووجد طريقه بنجاح إلي عالم التطبيق الواقعي في العقود الماضية.

ويوضح الطبيب وفقًا لما نشره “روسيا اليوم”، كيف يتم تطبيقه، وهل يوجد بالفعل موت جيد وآخر سيئ؟

ويحكي حوارًا تقليديًا يحدث كل يوم بين أسرة المريض والطبيب، فيقول: 

• دكتور! طمئني أرجوك. كيف الحالة؟
• للأسف والدك في مرحلة حرجة جدا. ضغط الدم منخفض وفي حالة غيبوبة. 
• ما السبب؟
• أمراضه المزمنة ومن ضمنها الشيخوخة وفشل بعض الأعضاء.
• والحل؟
• والدك محتاج لسرير في العناية المركزة فورا!

وهنا يتساءل العطار: عناية مركزة؟ هل أصبحت العناية المركزة دائما وأبدا المكان الطبيعي للوفاة الطبيعية والتعامل مع الجنرال “موت”؟

ثم يذهب بنا سريعا إلي غرفة الأطباء، ويحكي هذا الحوار بين الطبيب المعالج وبين زملائه الأطباء::

• ماذا فعلت مع أهل المريض؟
• قلت لهم إنه يحتاج إلى رعاية مركزة.
• لكن الرجل حالته ميؤوس منها تماما.
• هذه ليست مسؤوليتي. لو لم أفعل ذلك وفاضت روحه لاتهموني بالإهمال. لقد رميت الكرة في ملعب العائلة.

ويتابع العطار: الطبيب هنا يتنصل من مسؤوليته، ولا أستطيع لومه كل اللوم. فهو لا يريد أن تتم إحالته إلي التحقيق بواسطة نفس المؤسسات والهيئات الطبية، التي تتنصل من التصدي لنفس الموضوع الشائك!

ويتساءل: تري ماذا الذي يحدث في غرفة الانتظار؟ ويجيب عبر حوار بين الطبيب المعالج وأسرة المريض:

• لا يوجد مكان رعاية شاغر في الحكومي. لابد من توفير سرير في الخاص.
• لكن لا نستطيع تحمل تكاليف الخاص. 
• لا يهم. سنبيع كل شيئ. سنستدين من أهل الخير. لا يمكن أن نتخلي عن أبينا. 
• لكن أبينا حالته تتدهور باستمرار، هو أصلا لا يعرف أين هو، أو من حوله منذ عدة سنوات.
• لن نتركه يموت من دون محاولة، والباقي نتركه لله. لا يمكن أن يقول الناس أننا أهملنا أبانا.

ويؤكد العطار أن الكرة الملقاة في ملعب العائلة أدت إلى: صراع نفسي وإهدار مالي وخوف من عار اجتماعي أو عقدة ذنب. إلقاء الكرات يتحول تدريجيا إلي شيء سخيف.

وينتقل بنا العطار إلي قسم الرعاية ليبدأ حوارًا رابعًا بين الطبيب وأسرة المريض:

• حالته حرجة. هو حاليا علي جهاز التنفس الصناعي عن طريق أنبوبة في حنجرته وتوقفت الكلية عن العمل، وقد يحتاج إلي غسيل كلوي.
• وهل سيؤدي الغسيل إلي تحسن الحالة؟
• لا أعتقد. لكن أنتم قلتم أنكم تريدون فعل كل شيء قد يعطي أملا. بالمناسبة هو أيضا ينزف من معدته، وقد يحتاج إلي منظار.
• افعلوا المطلوب مهما كانت التكاليف. 
• ماذا إذا توقف قلبه؟ هل تريدون إنعاش القلب بالصدمات الكهربية؟
• طبعا نريد.
• نقل دم؟
• طبعا نريد.

ويعلق العطار على كل ما سبق: بهذه الطريقة يتحول الطبيب (أعتذر عن التشبيه) إلي مايشبه نادل في مطعم، يعرض الوصفات ويتلقى الاختيارات، وما يهمه في النهاية موافقة “الزبون” علي الفواتير. الطبيب مرة أخري يلجأ هنا إلى رمي الكرات الساخنة. 
لكن يا ترى هل يتماشي ذلك السلوك الذي يبدو ظاهريا كاستجابة واحترام لإرادة المريض أو من ينوب عنه مع أخلاقيات المهن الطبية؟

ببساطة تقوم أخلاقيات الطب الحديثة علي أربع مبادئ هامة يعرفها أي طبيب:

1. حرية المريض المحتفظ بالأهلية العقلية أو من ينوب عنه عند فقد هذه الأهلية في تحديد المصير.
2. فعل المفيد.
3. عدم فعل الضار.
4. توزيع الإمكانات الطبية المتاحة بالعدالة بين متلقيي الخدمة لتحقيق أكبر عائد صحي علي المجتمع.

النقطة الأهم ومفتاح الحل، الذي توصل إليه المجتمع الطبي الغربي، هو أن مبدأ حق تحديد المصير وحرية الموافقة أو الرفض لأي إجراء طبي ينطبق فقط علي ما هو معروض أصلا من الطبيب المعالج.

بمعنى آخر ليس من حق المريض أن يحدد خطة علاجه بطلب أشياء من الطبيب لا يعتقد الطبيب بجدواها، وكما لا يستطيع مريض ما مثلا إرغام جراح القلب على إجراء عملية تغيير صِمَام تقول الأدلة الطبية بأنه لا يجب تغييره، أيضا لا يستطيع المريض أو أهل المريض أن يرغموا طبيب الطوارئ أو الرعاية على إجراء خطوات “إنعاشية” لا يوجد من الأبحاث الطبية ما يثبت نجاعتها في تحقيق “المفيد” أو دفع “الضار”.

علماً بأنه إذا مالم يكن هناك نفع حقيقي، فالضار دائما موجود في صورة آلام للمريض ناتجة عن تركيب للأجهزة أو فقد لخصوصيته وكرامته علي أسرة الرعاية و مايتبعه من قلق وضغوط نفسية على أهله، أو حتي في صورة هدر مالي وضرر في هيكل الخدمات، الذي كان من العدالة الحقيقية توفيره لمريض آخر له فرص أكبر في التحسن.

للوهلة الأولى قد يبدو في ذلك تغول لسلطة الطبيب، بحيث يستطيع إملاء قراره بمعزل عن استشارة المريض أو أهله، وهذا بالتأكيد ليس صحيحا. 
فبالرغم من حدوث بعض مظاهر اختلاف الإرادات أحيانا فإن الأبحاث أظهرت ان التواصل الفعّال بين الأطراف لا بديل عنه، وأن إعطاء أهل المرضى المعلومات الدقيقة والمبسطة وبإشراك المزيد من كبار الأطباء، يؤدي في الغالبية العظمى من الحالات للوصول إلي تسوية للخلاف وتغليب صوت العقل والحكمة.

نقطة أساسية أخرى: من المهم جدا للمريض وذويه أن يتلقوا تأكيدا علي أن التوقف عن الإجراءات الإنعاشية لا يعني أن يترك المريض بلا أي رعاية طبية. وهنا تأتي وظيفة “العلاج التلطيفي للحالات المتأخرة” palliative care، وهو المجال الذي يتوسع حاليا بطريقة كبيرة في العالم، والذي يعني بالتعامل مع المضاعفات وتخفيف الأعراض المصاحبة لتدهور الأمراض الميؤوس في علاجها، وضمان الحفاظ علي رفاهية وكرامة ونفسية المريض في رحلته الأخيرة.

الوصول لاتفاق مشترك علي علاج تلطيفي لا يكون دائما بهذه السهولة، خاصة تحت ضغط تدهور المريض السريع. لذلك اتجهت الأنظمة الطبية العالمية مؤخرا لتشجيع بل وإلزام الأطباء المعالجين للمسنين ومرضي الأمراض المزمنة والخطيرة بالحديث معهم مبكرا عن المسار المتوقع لتدهور المرض. ورسم مايشبه الوصية الطبية، حتى إذا ما تفاقمت الحالات لمستويات معينة، يتم توجيههم إلي طريقة العلاج الملائمة، والتي قد تصل في بعض الأحيان للعلاج التلطيفي في المنزل تحت إشراف طبي لتحقيق أفضل درجات الكرامة و الخصوصية.

يجدر الإشارة هنا إلى أن العلاج التلطيفي يختلف تماما عن “القتل الرحيم” المُحرم دوليا، والذي هو باختصار إعطاء المرضى الميؤوس من شفائهم جرعات تؤدي إلى وفاتهم خلال دقائق.

في النهاية، الموضوع غني بالعديد من التحديات الاجتماعية والقانونية والتنظيمية والتعليمية والتطبيقية، وهذه التحديات لا يجب أن تستمر عُذرا للتقاعس عن القيام بالدور الصحيح تجاه المريض وذويه والمجتمع ككل.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023